عبد السادة البصري
في سيارة الكيّا التي أقلّتني من بيتي إلى دائرتي .. كان السائق يتحدّث عن مشكلة ابنه مع المدرسة، لم أستمع لها من البداية فطلبت أن يعيدها عليّ، أجابني : ماذا أقول يا أستاذ ؟! إنها مضحكة مبكية!! ابني في الصف الثاني الابتدائي ، شاطر في دروسه منذ العام الماضي. عندما بدأ الدوام جعلوه مع ثلاثة تلاميذ يجلسون على رحلة واحدة ، لكثرة عددهم وقلّة الرحلات في المدرسة التي تضم بنايتها ثلاث مدارس ، ونسبة الرحلات المتضررة وغير الصالحة فيها أكثر من نصف الموجود الكلي ، وفي كل لحظة يدفعه زملاؤه الجالسون معه فيقع على الأرض ويظل يبكي وبالنتيجة لا يستوعب الدرس.. ذهبت إلى إدارة المدرسة لأجد له حلاً فقال لي المدير: إذا تريد حلاً لمشكلته اشترِ له كرسياً ذا مسند للكتابة .. أجبته : وكيف يحافظ عليه ؟! قال : يحمله معه للمدرسة ثم يعيده للبيت بعد انتهاء الدوام .. وإذا صعُبَ الأمر اربطه بسلسلةٍ طويلة في شبّاك الصف وضع قفلاً عليه ! ثم أكمل السائق : والله يا أستاذ وقفت حائراً وأمسكتُ ضحكةً كادت أن تعلو وجهي ودمعةً تطفر من عيني على حالنا جميعاً !
سقت هذه الحادثة ونحن نعيش أزمةً في التعليم وتدهوراً يزداد يوماً بعد آخر لأسباب كثيرة منها : نسبة عدد بنايات المدارس قياسا لعدد التلاميذ .. انعدام المستلزمات المدرسية من قرطاسية وكتب وقلّتها ..قلة الرحلات الصالحة .. وغيرها.
وبدلاً من جعلها أزمة مستفحلة نعاني منها في الوقت الذي نستطيع حلّها بأسهل الطرق ! باتت أغلب المدارس في البصرة وبقية المدن العراقية تعاني من نقص في الرحلات والقرطاسية والكتب وكأننا لم نمتلك معامل نجارة مستقلة وأخرى ضمن أغلب الشركات والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى شركات الورق مثل شركة الصناعات الورقية في البصرة ومعمل ورق ميسان ومعمل المستلزمات المدرسية في بغداد وكلّها متوقفة عن العمل .. لماذا ؟!
فبدلاً من افتعال أزمة وتأخير دراسة أبنائنا وتدهور التعليم بحجج واهية ودمج أكثر من مدرسة في بناية واحدة .. وبدلاً من إرهاق الطلبة وأولياء أمورهم بطلبات ما انزل الله بها من سلطان ولا يستوعبها عقلٌ سليم ومعها يتدنّي التعليم يوما بعد يوم .. علينا أن نقوم بتشغيل شركات صناعة الورق ومعامل نجارة الرحلات ومفاتحة الشركات والمؤسسات الحكومية بشأن التعاون مع التربيات كلا حسب موقعه الجغرافي، لتوفير الدفاتر والمستلزمات المدرسية والرحلات والسبورات وصيانة وترميم كل ما تحتاجه مدارسنا من مرافق صحية وماء إسالة وغيرها .. لا أن نعلّقَ كلّ ما تضرر وتوقف على شمّاعة الأزمة المالية والظروف الأمنية، تاركين أبناءنا يواجهون مصيرهم المجهول دون أدنى مساعدة..
ولنتذكر دائما انه، إذا فسدَ التعليم فسدَ كلُّ شيءٍ في البلد ، لأننا بهذا الإهمال واللامبالاة سنرتكب جريمةً كبرى بحقِّ الأجيال القادمة والتي سيكون مستقبلها مجهولا بشكل لا يُصدّق !