عبدالسادة البصري
كَثُرَتْ في الآونةِ الأخيرةِ ظاهرةُ التجمّعات الثقافية ( منتديات ، ملتقيات ، جمعيات ، روابط ) والتي تضمُّ الكثير من المهتّمين بالأدبِ والفن وما شابه من كلا الجنسين !! وربَّ قائلٍ :ــ ما الضير من كثرتها ، إنّها مؤشرٌ إيجابيٌّ رائعٌ على ازدهار الثقافة والفن وانتشارهما ؟! فأُجيبُهُ :ــ نعم .. مؤشرٌ رائعٌ جداً ، ولكن هناك الكثير من الأخطاء والسلبيات التي تُصاحبُ عملَ هذه التجمّعات ، وقد كَثُرَت أيضاً ،، إذ نجد الكثيرَ ممّن لا يجيدونَ اللغةَ ــ كتابةً ونحواً ( صرف )ــ قد انضموا إليها وصاروا فاعلينَ فيها ،حتى انّكَ لا تقدر على مواجهتهم بأخطائهم أو تقول لهم إنّكم غير موهوبين طبعا !! لقد صارت كالموضة التي تنزل للأسواق وعلينا أن نقلّدها قدر المستطاع ونسيرَ في ركبها ،ما عكسَ انطباعاً سيئاً لعملِ بعضها ، فمن غير المعقول أن نقرأَ خواطرَ سطحيةً وساذجةً يحسبها كتّابها قصائد نثر وكأن قصيدةَ النثر مطيّةٌ على الجميع أن يركبَها دونما قيد أو شرط !! أو نستمعَ إلى كلامٍ مسجوعٍ يفتقر إلى أدنى مقوّمات الوزن الشعريّ ليُفرضَ على أسماعنا بأنه قصائد كلاسيكية ،،كذلك ما يُكتب هنا وهناك على صفحات التواصل الاجتماعي والتي يُطلقُ أصحابها على أنفسهم شعراء وقصّاصين وإعلاميين ، وإذا نبّهتهم إلى أخطائهم وحاججتهم باللغة والشعر ومعاييرهما يجيبونك بأنهم حصلوا على مراكز كذا وكذا في مسابقة الجمعية الفلانية أو قلادة كذا من الرابطة العلّانية وغيرها ،، وكأن هذه الشهادات والجوائز التي تمنحها هذه الجمعيات والروابط والمنتديات صكوك غفران تمنحُ صاحبَها كلَّ الحقِّ بأن يقفَ بوجهِ مَنْ يُعيبُ عليه الخطأ ؟؟!! وأكرر قولي :ــ نعم ، لتأسيسِ مثل هذه التجمّعات ولكن وفقَ معاييرَ رصينةٍ وشروطٍ دقيقةٍ تجعل الانتماء إليها ليس بالأمر الهيّن أبداً ، بل عبرَ أبواب وحلقات وامتحانات ليؤكّدَ أحقيّتَهُ بالانتماء وتمكّنه من موهبته وشرعيتها ،، ورُبِّ قائلٍ آخر :ــ وماذا عن الانتماء لاتحاد الأدباء ونقابة الفنانين والصحفيين مثلاً ؟! أُجيبُهُ :ــ هناك معايير وشروط على طالب الانتماء أن يتجاوزها بنجاح وتنطبق عليه فعلاً ، رغم بعض الهنّات والأخطاء التي حصلت وتحصل لنجدَ مَنْ لا تنطبق عليه نصفها ولا يمتلك الموهبة قد حصل على هوية الانتماء يا للأسف !!
لهذا على هذه التجمعات أن تفتح لأعضائها دورات لتعليمهم اللغة ( إملاءً وقواعدَ ــ نحو ــ ) لكي لا يقعوا في الأخطاء وتُحسبَ عليهم وعليها مثالب ونقاط ضعف ،، كما عليها أيضاً أن تنظّمَ دوراتٍ في أوزان الشعر وآليات الكتابة وأدواتها الفنية والمعرفية ، لأنّه من غيرِ الممكن أن نكتبَ أيَّ شيءٍ ونعتبرَهُ قصائدَ نثر أو نصوصاً مفتوحةً وغيرها !!
كثرةُ التجمعات التي تُعنى بالأدب والفن مؤشر ايجابي رائع جداً إذا استطعنا أن نجعل منها منابر إشعاعٍ حقيقيةٍ تعكس الصورة المثلى للإبداع في شتى جوانبه ،، لا سفينة تحمل مَنْ هبَّ ودبَّ بلا معايير رصينة ما يُعطي للآخر فرصةَ الكلام علينا !!
التجمّعات الثقافية نوافذ وروافد للإبداع لا أماكن لتزجية أوقاتِ الفراغ باللغو الفارغ فقط !!