أسماء محمد مصطفى
و.. إن كنت مسافرا او راحلاً الى اللامكان عبر سفينة اللاإتجاه ، إلاّ أن روحك يمكنها أن تتسمر داخل فسحة الامل في جغرافيات الصمت النائية ، محاولاً الاستمرار في الحياة ـ على الرغم من دمعة تتلألأ في طرف العين ـ لأنّ ثمة من يحتاج أن تبقى في حياته قويا متمسكا بالضوء الذي لاينطفئ حتى تعبر بحر الوجع بسلام ، تراقب استسلام أشرعة الرحيل لرياح المساءات وهي تدفع بها الى تلك الشواطئ القصية التي ترحل اليها تائقا للمس نداها وطبع آثار خطاك على رمالها حتى لو محتها الرياح بعد حين ..
هناك تخفي جراحك بعيدا في مستودعات غير مرئية ، لم تصممها هندسة بشرية وإنما يُهيأ لك أنّ ملاكا حارسا بناها من أجلك ، فهي تجيد حفظ حزنك بسلام حتى لاتتسبب أظافره لشفتيك المبتسمتين بالمزيد من الخربشات ..
قد تكون ضربات الحياة وسياط الحروب أرهقت جسدك وروحك ، فوجدت الأرض والعلاقات الاجتماعية تضيق بك ، ماجعلك تهرع الى خِزانات العزلة الروحية حيث ثمة متسع لحقائب أوجاعك بعيدا عمن تحب ولاتحب ، حتى اعتدت مجالسة مارد الصمت فتتأمل معادلة الفرح والحزن .. تعانق ذكريات تتمنى لمراياها أن تتهشم .. تقرأ رواية اللاوجع .. تكتب قصة الامل .. ترسم في فضاء اللوحة بابا مفتوحا تعبر به الى جنة السكينة .. ترقص مع أشباح النسيان .. تستمع الى موسيقى قياثر محفوظة في أعماق روحك الجريحة وسط ضجة نشيد الدموع وإيقاعات طبول الحروب ..
قد يطول مكث الروح في تلك الجغرافيات التي لاتدركها عيناك إذ تقع خارج الجهات الأربع حتى إنك سافرت اليها من غير أن تعرف إن كانت تذكرة السفر ذهابا وإيابا ام إنها لإتجاه واحد فقط ..
كل ماتتمناه ـ أنت المسافر او الراحل للعزلة بهدف الحفاظ على صحة عقلك وقلبك من هستيريا الضربات اللانهائية ـ على من تحب وفارقتهم اضطرارا أن يحاولوا قراءة مالم يُكتب ، فثمة أوجاع في الروح لاتشفى إلاّ في العزلة وإطالة السفر خارج الجهات الأربع ، وقد يكون من الصعب أن يُحكى عن تلك الأوجاع حتى لايتسبب الكلام بإيقاظ الجروح على ورق الورد ، فإن لم تعد ، لايعني ذلك أنك توقفت عن حبهم ، بل أن حبهم يزيد يوماً بعد آخر ، وإنما هي الرحلة لم تنته بعد ، كما الالم والامل لاينتهيان .