خالد العبيد – كاتب صحفي ومحلل سياسي
استراليا – كانبيرا
ekhalidw@hotmail.com
حين نقول حكومة التطرف الاسلامي لابد ان نذكر الحكومة الاسترالية بان العصبة التي تحكم السودان الآن قلبت نظام الحكم الديمقراطي وجاءت بانقلاب عسكري في عام 1989م ، جاءوا من رحم التنظيم الدولي للاسلاميين المتطرفين. وسرعان ما فتح هؤلاء ابواب بلادنا لاحتضان قادة الارهاب وعلى رأسهم اسامة بن لادن الذي وصل السودان في مايو 1991م بطائرة خاصة من اليمن برفقة زوجاته الثلاث واستأجر منزلا في قلب الخرطوم من ثلاثة طوابق لسكنه الخاص ، اضافة الى سبعة منازل اخرى لإدارة اعماله التجارية . ثم استقبلت الخرطوم اخطر زعماء القاعدة الذين فروا من افغانستان واليمن ايمن الظواهري وصلاح شحاتة وابوعبيدة البنشيري . ولابد ان نذكر هنا ان بعض قادة الحكومة السودانية الحالية شاركوا في اعمال العنف والجهاد في بعض الدول العربية والاسيوية قبل ان يتقلدوا مناصبهم في قيادة الحكومة.
العلاقات الاسترالية السودانية
استراليا رغم بعدها الجغرافي عرفت السودان منذ زمن طويل ولم تكن هنالك أي علاقات على المستوى الدبلوماسي والتجاري بين لبلدين ماعدا سفراء غير مقيمين يمثلون المصالح المشتركة بين البلدين . ويذكرنا التاريخ بان اول اتصال استرالي بالسودان بدأ عسكريا عام 1885م حين قامت استراليا بإرسال فرقة عسكرية من مدينة سيدني لمساعدة كتشنر المحاصر في الخرطوم . تلتها بعد ذلك مرحلة الارساليات التبشيرية في خمسينات القرن الماضي . ثم اعقبتها البعثة التجارية الاسترالية في عام 1975م وهذه البعثة تعتبر اول تواصل تجاري بين البلدين ، وكتبت تقريرا بان هنالك حاجة لتنمية موارد السودان وتطويرها . بعدها شهدت استراليا قدوم اعداد قليلة من السودانيين للدراسة. كما كان هناك بعض الاساتذة الاستراليين الذين يعملون في تدريس اللغة الانجليزية في السودان.
في موقع وزارة الخارجية الاسترالية نقرأ تعريف السودان : ان جمهورية السودان يحكمها رئيس المؤتمر الوطني منذ ان استولى على الحكم في عام 1989م . وخاض السودان حروبا اهلية انتهت باستقلال جنوب السودان بعد اجراء استفتاء في هذا الشأن. وهي خطوة خسر السودان بموجبها ثلاثة ارباع ثروته النفطية . ويضيف الموقع بان الحرب لا تزال قائمة خاصة في مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق ولا زالت المليشيات التي تعارض الحكومة تشن حربا على الحكومة نتج عنها الالاف من النازحين الذين شردتهم الحرب الاهلية .
تعيينات السفراء في عهد الانقاذ
انهارت الخدمة المدنية في السودان جراء سياسة التمكين التي ابتدعتها حكومة الفساد بهدف بقاءها في السلطة لاطول فترة ممكنة ، ووزارة الخارجية السودانية ذات التاريخ العريق والتي انجبت افذاذ على المستوى الدبلوماسي لم تسلم من هذه السياسة المجحفة. فقد كشف تقرير بان وزارة الخارجية السودانية ابتدعت طرقا جديدة للتحايل علي قوانيين وأعراف وزارة الخارجية. واورد التقرير بان هذه الطرق اجهضت حقوق العديد من موظفي وزارة الخارجية الذين ينتظرون السنيين الطوال لكي تتاح لهم الفرصة للخروج من السودان. فهناك من السفراء تم تعينهم دون إعتبار لأعراف وتقاليد وقوانين العمل الدبلوماسي. فصار تعيين السفراء يتم من اجل موازنات شخصية وسياسية وأسرية لا علاقة لها بمصالح الدولة العليا. العديد منهم ليس له مؤهل سوي علاقة تربطه بنافذٍ داخل عصابة الإنقاذ.
علي سبيل المثال وكما ورد في التقرير فقد أدخلت الإنقاذ بندا جديدا للتعيين في السفارات سُمىّ بتعين تحت بند القدرات النادرة. وليت من تم تعينهم لديه قدرات نادرة فمن أصحاب القدرات النادرة هؤلاء من لا يتكلم الإنجليزية ومن لا يجيد إستخدام الحاسوب ومن لا يحمل سوي شهادات مضروبة. واكثر نموذج يثير السخرية والغثيان ورد في احد المواقع، حدث بتاريخ ٣١ أغسطس ٢٠١٤ حين وقعت وزارة الخارجية ممثلة في مدير إدارة تنمية الموارد البشرية والمالية والذي هو إبن اخت نافع علي نافع والسفير الحالي في دمشق وقعت عقدا خاصا مع زوج إبنة السفير في وظيفة أمين دار لمنزل نسيبه. وبما أن الإنقاذ لا حياء لها ولا ضوابط ولا أخلاق فقد جاء في إفتتاحية العقد أنه يستند إلي مرشد ضوابط التعيين في وظائف محلية بالبعثات بالخارج لسنة ٢٠١٤.
بدايات هجرة السودانيين الجماعية الى استراليا
بعد وصول الاسلاميين الحكم الى السودان بقيادة حسن الترابي ومجرم لاهاي المطلوب للعدالة الدولية عمر البشير في عام 1989م ، تدفقت اعداد هائلة من السودانيين الى استراليا عن طريق برنامج الحماية وشهدت تلك الفترة هجرة عشرات الالاف من السودانيين ، وتشتتوا في جميع انحاء الارض هربا من بطش النظام الاسلامي الدموي . وقامت السلطة الاسلامية في بداية حكمها بأكبر مذبحة شهدها التاريخ السوداني في الخدمة المدنية بتشريد مئات الالاف من العمل وقامت بإحلال اعضاءها من الاخوان المسلمين ومن المواليين للنظام في تلك الوظائف . كما زجت بالآلاف في السجون وتعرض السودانيين للتعذيب في بيوت الاشباح التي ابتدعها النظام بهدف كسر شوكة المعارضين . وقامت بمصادرة كثير من الممتلكات والمنازل التي تخص المعارضين خاصة الاقباط السودانيين .
تشريد الفور والنوبة والاقباط
هجرات السودانيين الى استراليا لم تكن من اجل السياحة او الدراسة فالحكومة الاسترالية فتحت ابواب الحماية واللجوء للذين تعرضوا لابشع حملة ابادة شهدها تاريخ السودان الحديث . تقرير المدعي العام يذكر انه تم تشريد الملايين من المدنيين في دارفور وجبال النوبة من اراضيهم التي شغلوها لقرون ، ودمرت جميع وسائل عيشهم واغتصبت اراضيهم.
كما اشار تقرير منظمة العفو الدولية الى ان الحكومة السودانية استخدمت الاسلحة الكيماوية في هجومها على قبائل في دارفور في اطار حملة واسعة ضد الذين يحملون السلاح ضد الحكومة واكد التقرير انه خلال فترة محددة تم قتل ما بين 200 الى 250 شخصا نتيجة تعرضهم لمواد كيماوية ملوثة وان غالبية الضحايا من الاطفال . واوردت المنظمة صور الاطفال الذين اصيبوا في الهجمات وصورا بالاقمار الصناعية للقرى التي دمرت والمدنيين الذين فروا من منازلهم ، وهذه الاحداث اكدها خبراء اسلحة كيمائية.
شكل الاقباط المسيحيين السودانيين الموجات الاولى من المهاجرين السودانيين بطريقة منظمة بعد ان ضيق نظام الخرطوم الاسلامي الخناق عليهم ، فاضطروا للهجرة تحت برنامج الحماية بعد ان اجبروا على بيع منازلهم ومؤسساتهم التجارية وحرموا من مزاولة اعمالهم . وبعد ان تواصل القمع والبطش بالشعب السوداني تدفقت اعداد هائلة من المهاجرين السودانيين من جميع انحاء السودان الى استراليا خاصة من جنوب السودان وإقليم دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق هربا من بطش النظام ووصلوا استراليا عن طريق معسكرات اللاجئين في كينيا، والبعض الآخر قد جاءوا عن طريق القاهرة.
اموال السفارات السودانية
اكد احد الخبراء الاقتصاديين ان الاوضاع الاقتصادية السودانية تأزمت كثيرا بسبب العقوبات الدولية واصبح السودان دولة غير موثوق بها . وقال ان العقوبات اوقفت الاستيراد والتصدير والتحويلات المالية من الخرطوم الى معظم الدول ، مؤكدا ان خطوط التمويل امام السودان ستكون مغلقة . وهذا ما اكده وزير خارجية النظام السابق نفسه حين قال في ورشة عمل ان بعض البعثات الدبلوماسية بالخارج لم تستلم تحويلات مالية منذ شهور .
بلا شك سفارات السلطة الفاسدة تواجه صعوبات في تحويل عملاتها بالدولار الى مقراتها في معظم دول العالم . ويضطر بعضهم الى حمل الاموال نقدا عبر المطارات وهذه في ذاتها شكلت فضيحة دبلوماسية وكلنا نذكر قصة الدبلوماسي السوداني الذي قبض عليه في مطار القاهرة وهو يحمل الاف الدولارات تخص الملحقية العسكرية في كيس مقوى . وبعد القبض عليه ذكر للشرطة ان يحمل 100 الف دولار لكنها في الحقيقية كانت 175 الف دولار عدا نقدا.
سفراء يطلبون الجوء
من البدع الجديدة التي سيحفظها التاريخ في سيرة وزارة الخارجية السودانية كانت بحق غريبة وشاذة في حق العمل الدبلوماسي . نعرف جميعا انه من الطبيعي ان يطلب سياسي او موظف حق اللجوء والاقامة في بلد آخر ولكن ان يأتي طلب اللجوء من سفير يمثل دولة فهذا قمة الاستهزاء بالوظيفة التي كان يتولاها قد يكون السفير عبد الرحمن شرفي سفير السودان بفنزويلا اول من ابتدر هذه البدع – والله اعلم – ان كان قد سبقه احد على هذا الفعل . فقد طلب شرفي اجازة سنوية لمتابعة اسرته المقيمة في كندا وذهب بلا عودة . تبعه بعد ذلك سفير السودان لدى ماليزيا عمر عثمان الذي ترك عمله وغادر إلى الولايات المتحدة،. اما السفير علي أحمد إبراهيم، والذي كان محسوباً على حزب الأمة فقد رفض قرار العودة الى السودان بعد انتهاء مدة عمله وأكمل ترتيب أوراقه وغادر الى أمريكا.
ابتداع اساليب جديدة في النهب
جاء في احد التقارير بان بعض السفارات التابعة لوزارة الخارجية السودانية درجت على استخدام طرق مستحدثة تنهب بها اموال المغتريبن والمهاجرين السودانيين في بعض الدول فقد ذكر احد المسؤولين ان بعض السفارات درجت على ما اسمته تجنيب الاموال التي تتحصل عليها من رسوم المعاملات القنصلية والرسوم الادارية التي يتم تحصيلها من قبل ادارة الجوازات بدون اورنيك مالي حدث هذا في السفارة السودانية في اديس ابابا كما جاء في التقرير .
واضاف التقرير بالنص ان الملحقيات العسكرية والفنية وشركة الخطوط الجوية السودانية، وبعض الشركات السودانية تساهم مع السفارة في عدد من البرامج مثل دعم النادي السوداني – احتفالات الاستقلال – إفطارات رمضان – وعيدي الفطر والاضحى، بجانب تكريم بعض أفراد الجالية السودانية بدولة التمثيل، مشيراً إلى أن المساهمات تكون خارج الدورة المستندية، ولا تظهر في الدفاتر المالية .
مقاومة حملة الجبايات قادمة
نقول هذا وفي بالنا ان السفارة السودانية في كانبيرا في حاجة ماسة الى اموال بالعملة الصعبة لتصريف اجندتها التي جاءت من اجلها . ولا نعتقد بان وزارة الخارجية في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها الدولة قادرة على ارسال تحويلات من الخرطوم لمواجهة هذه المنصرفات من تأجير مقر للسفارة ومنزل للسفير وموظفين وسيارات وغيرها .. فمن اين ستتحصل سفارتنا على الاموال ؟ .
ان اول واجبات المهاجرين السودانيين في استراليا التصدي بكل حزم ونكشف الدور الحقيقي والهدف الاساسي الذي فتحت به حكومة الخرطوم سفارتها في استراليا ، وعدم التستر عليهم وعلى اجندتهم الخفية. خاصة ان كل الاحتمالات تشير الى ان القائمين على امر السفارة سيبدأون حملة واسعة من الجبايات وجمع الاموال تحت مختلف المسميات ، وتدخل يدها الى جيوب الذين شردتهم من قبل واختاروا المنافي البعيدة هربا من البطش والتعذيب الذي تعرضوا له في وطنهم الام .هذا ما سنتوسع فيه بالتفصيل في المقال القادم ، بحول الله .
اخيرا ان الذي يدعو للاسى حقا ليس الطريقة التي تلجأ اليها السفارة في جباية الاموال من المهاجرين . لكن الذي يدعو للتوقف عنده طويلا ان يكون بيننا مهاجر احتمى باستراليا من حكومة القتل والتشريد يعمل على مساندة ممثلي النظام المجرم .. وهذا بالطبع لن يكون الا واحدا الكذبة الذين ضللوا السلطات الاسترالية ليجد له موقع قدم هنا .