محيي المسعودي/ عمان*
عدتُ الى عمان بعد غياب طال خمس سنوات , عدت اليها ولم يسعفني الوقت لازور كل الامكنة التي كانت لي معها حكايات جميلات , لم يسعفني الوقت لازور كل الصديقات والاصدقاء الذين كانوا ولمّا يزالوا يسكنون ذاكرتي ويدفؤون قلبي بصداقاتهم ومحبتهم دون ان ادري وجدت نفسي توأما لمدينة عمان . في البدء كنت غريبا عليها وكانت غربية عليّ , ولكن ثمة هاجس كان يراودني بالحاح , لم استطع التخلص منه , هاجس يدفعني الى حضن هذه المدينة التي سرعان ما وجدتها البيت الذي ابحث عنه.. مع الايام وجدت هذا البيت كائنا حيا يضمني في احشائه تماما كجنين في رحم ام رؤم .
يومها ايقنت اني جنين في رحم هذه المدينة التي ولدتني ذات مساء في مقهى الجامعة العربية , وكانت مقهى السنترال مهداً لي ومن إثداء مكتبة – ابو علي – اتممت الرضاعة التي بدأها في بابل . وتذوقت في عمان اول طعم افطار من الفول بالزيت في – مطعم هاشم – وكان بنكهنة طفولة الصديق الوفي والكريم جدا محمد جمال عمرو , وانطلقت صبياً عمانيناً يطوّد في احشاء مدينتهِ “الام الجديدة ” التي ينام ويأكل في شرقها وجنوبها الفقير المتعفف ويغازل غربها المترف الثري البهي الجميل . لم يضق بي يوماً أي مكان اقصده . حتى وجدتني في اعوامي الاخيرة اجلس على منبر – جريدة الديار – ابث مشاعر وافكار المدينة واحلامها وهمهماتها في الليل وعناءها في النهار …. كنت اعيش حالتي عشق امتلكتا علي كل وعيي ووجودي . اكتشفت ان جريدة الديار كانت ابنتي الحبيبة وعمان كانت امي التي , لم انتبه لحبلها السري الذي ظل يمدني بالحياة حتى قطعه القدر بقسوة فظيعة ولم يدرك حينها احد ماذا يعني ان يعشق انسان مدينة ارضعته حليبها واسكنته احضانها وهام بحبها . فحال القدر دون استمرار العشق المقدس مابيني وبين عمان كأم وحبيبة وبيني وبين الديار كبنت أنجبتها روحي وارضعها قلبي وقمطتها محبتي . وحررتها ولقنتها الصدق من افكاري . وحماها ضميري الظاهر والمستتر في كل كلمة نشرتها.
* كاتب وصحافي من العراق