علي عبد الأمير
بلا أي حذلقة، نعم هناك جذور ثقافية للإرهاب في العراق، اذا ما اعتمدنا التطبيق الحقيقي للثقافة بوصفها أنساق فكرية وحياتية في القانون والسياسة والسلوك الاجتماعي والعلاقة مع الدولة.
ثقافة الإنقلابات العسكرية
من أبرز الجذور الحقيقية للإرهاب في العراق، مثلتها ثقافة الإنقلابات العسكرية التي فتحت باب جهنم الأرضية على المجتمع العراقي، لجهة “تشريعها” تصفية الخصوم دمويا، وتخريب الدولة لصالح الأحزاب أولا ثم الأشخاص- الزعماء تاليا.
عنف الأحزاب والفكر السياسي
شكلت الأحزاب العراقية (العربية والكردية) العلمانية منها والدينية التي تؤمن باستخدم السلاح لتحقيق أهدافها، جذرا حقيقيا للإرهاب وتدريبا اجتماعيا عليه وصولا الى القبول باستخدام العنف تحت مسميات شتى. واللافت ان ما اصاب الدولة العراقية كمقدرات ووجود من ثقافة تلك الأحزاب لهو أعظم بكثير مما اصاب الأنظمة العسكرية الحاكمة للبلاد منذ العام 1958. وبتحول تلك الأحزاب إلى الحكم أو حين كانت قريبة منه، تحول العنف من دعوة إلى التغيير، إلى ثقافة اصيلة في فرض الحكم والحفاظ عليه من قبل هجمات الخصوم الذين كانوا “أخوة بالدم” مع الحاكمين.
التدريب لعقود على الإرهاب
تمكن نظام البعث وخلال عقود حكمه من جعل ثقافة “إرهاب الدولة” نهجا سياسيا ثابتا، وهو ما جعل العنف والإرهاب مفردتين عادتين في مجتمع راح ابناؤه ضحية حروب دخلية وخارجية كانت تطبيقا لتلك الثقافة. واللافت ان تلك الثقافة صارت بطريقة أو بأخرى نهج حكم شبه ثابت في العراق، حد ان النظام الديمقراطي لم يتردد في استخدام العنف بوسائل واشكال عدة ضد خصومه، وهو نهج وفر أرضية للقبول بالتطرف أولا ثم الانخراط في المجموعات الإرهابية ثانيا.
استخدام الدين في السياسة
بما ان العراق فرز طائفي يخبو و يظهر بالتناسب مع قوة الدولة وحضورها، لذا كان الدين في السياسة يعني اعتماد الخطاب الطائفي، وهو ما يشكل موقدا لنار الاحتراب الأهلي وهو ما حصل تماما بعد العام 2003 حين تم اسقاط الدولة العراقية بالكامل، بعد ان اضعفها النظام الديكتاتوري وجعلها مجرد عربة تتولى خدمة الطاغية ووجوده في السلطة. واستخدام الدين في السياسة كان ثقافة ارهابية بامتياز، ليصبح المقدس غطاء حتى للجرائم التي تقترفها العصابات الصغيرة.
وجاء استخدام الدين في السياسة، قبولا وشرعنة لإرهاب استخدمه جميع المتخاصمين المتصارعين على السلطة في العراق، فالفكر الوهابي التكفيري الممول سعوديا بشكل خاص وخليجيا واسلاميا بعامة وجد في السنة وبقايا البعث ممره الدموي الى العراق، وهو ما أدى الى العودة بقوة نحو التطرف الشيعي الذي تمثله الأحزاب المؤمنة باستخدام السلاح والعنف لتنفيذ اهدافها، تحت ذريعة حماية الطائفة.
الحل في دولة حيوية
بدون اقتلاع تلك الجذور الثقافية، فلا نهاية لقريبة للارهاب وأسسه الفكرية – الدينية والإجتماعية حتى مع حتمية نهايته عسكريا. ومن يقتلع تلك الجذور هو دولة عادلة فوق كل قانون وجماعة، ولكن هل هناك من يؤمن بقوة الدولة ومؤسساتها في العراق؟ شخصيا عندي يقين ان هناك قوى حتى ممن هي اساسية في الحكم منذ العام 2003 لا تقر بسلطة الدولة، ولا بقانونها العادل، ومع استمرار تلك القوى السياسية والدينية و الإجتماعية في نفوذها على حساب الدولة فلا نهاية حقيقية للارهاب في العراق.
كاتب وصحفي من العراق