كتب وارد برد السالم
(مقدمة)
يعذرني أصدقائي وصديقاتي في تونس أن أكشف بعض الحقائق السيئة التي تتكرر بشكل يومي في بلدهم، لاسيما مع السياح والزائرين، من لصوصية رسمية تحت غطاء قانوني ، ولصوصية مشاعة يمارسها العامّة من العاطلين الشباب بطريقة عشوائية في الغالب، لاسيما في شارع مارسيليا المتفرع من شارع الحبيب بورقيبة، وهو شارع واسع تصطف على جانبيه المطاعم والكافتريات والبوتيكات والمقاهي والبارات والديسكوات والشقق والفنادق ومحال بيع مختلفة. لكن مشكلة هذا الشارع بأنّ ليلهُ لا يشبه نهاره. ففيه وقتان متناقضان بالكامل. ومن المؤكد أن لصوصية هذا الشارع لا تشبه لصوصية مطار تونس، فالأخيرة لصوصية قانونية، وتلك لصوصية كيفية فردية.
أصدقاء وصديقات تونس لا تغيب عنهم حقائق السرقات التي يمارسها شباب عاطلون عن العمل. لذلك سيعذرونني وأنا اكشف شيئاً واقعياً كنتُ أنا محوره في مرتين.. مرة في المطار التونسي. ومرة في شارع مرسيليا.. السرقة الأولى صوّروها لي بغطاء قانوني، لكن ثبت بأنها سرقة علنية مغلّقة بكيس قانوني اكتشفتها في الزيارة الأخيرة.. والثانية سلب علني وترهيب كادت أن تكون جريمة لولا حسن تصرفي في اللحظة المناسبة، ومع فقدان موبايلي وبعض المال، غير أن الله تعالى دفع ما كان أعظم من هذا.
لصوصية مطار تونس جماعية. تشترك فيها اطراف مختلفة من المطار وخارجه وصولاً الى “الديوانة- وزارة المالية” يساهم فيها عادة ضباط وموظفون، والغطاء قانوني دائماً، لا يمكنك أن تناقش فيه. غير أنه وبمرور الوقت تكتشف عصابات متداخلة، بعضها يؤازر بعضاً ، وبعضها يبرر للبعض الآخر، ولديهم نَفَس طويل لبث اليأس في نفوس الذين تطالهم السرقة تحت ذلك الغطاء الصارم.. الكاذب.
تونس بلد سياحي. تؤمه كروبات سياحية على مدار السنة. ويسافر اليه مئات وآلاف الأفراد طيلة المواسم. فالبلد ذو مناخ جميل وطبيعة زاهية وبحر ومطر ومدن زرقاء وبيضاء. عدا كون المجتمع التونسي بلداً متحضراً. محمياً بقوانين مدنية لاسيما المرأة التونسية التي تجد كامل حريتها الشخصية تحت ظلال قوانين سنّها الراحل الرئيس الحبيب بورقيبة وما تزال سارية حتى اليوم. اضافة الى أنه بلد رخيص يمكن للسائح أن يقضي فيه أياماً طويلة من دون عناءات مالية تذكر.
زرت تونس سبع مرات وكتبت عنها كتابين هما : ( كمامات تونسية) و( تونس الزرقاء) وأفخر بأن بوستاتي الكثيرة والصور التي التقطها للحياة اليومية في تونس حفّزت الكثيرين لزيارة هذا البلد الجميل. فلم أكن دليلاً سياحياً حسب، بل دليلاً جمالياً الى الأمكنة التي تشكّل حضارة جمالية ضاربة في التاريخ، لاسيما المدن الساحلية التي تشكل حزاماً مائياً حول البلاد وتضفي عليها طابعاً سياحياً وثقافياً كثير الأهمية لي ولغيري ممن يزورون تونس .. الزرقاء.
أتأسف كثيراً أنني؛ مع مرور الزيارات؛ أكتشف الوجه الآخر للبلاد. فمع الأزمات الاقتصادية والسياسية تتراجع حلقات اجتماعية الى الوراء، ويبرز فيها الفساد الرسمي وغير الرسمي، ويتكشف الغطاء عن تونس الأخرى المتوارية خلف وجهها الجميل، حيث يتضح الوجه القبيح لها على المستوى الرسمي الجماعي وعلى المستوى الفردي المستهتر. إذ يتواطأ المستويان مع بعضهما من دون اتفاق؛ فاللص الرسمي يشجع اللص الفردي على هذا السلوك، فيشكلان لوناً معتماً للحياة الداخلية التي نأمل أن تكون الحالات الفردية محض ردود وفعل غير مدروسة للبطالة والفقر، وبالتالي على الأجهزة الرسمية في وزارة الداخلية أن تضبط إيقاع الحياة في كل مكان، فالسياح كثيرون بل كثيرون جداً من مختلف الجنسيات الأوربية والعربية، وأن الجريمة بتسمياتها المتعددة ، ومنها السرقة العلنية والباطنية، تؤرخ الى مرحلة غير مقبولة في تونس السياحية والجمالية. وما أعرضه في حلقتين مقبلتين، ليس انتقاصاً من تونس، ولا رأياً عكسياً في ما نشرته وأحببته وقلته وشجعت الآخرين على زيارة بلد ابن خلدون والحبيب بو رقيبة. ولا لأنني تعرضت الى سرقتين على مدار سفراتي الى تونس، الأولى تمت فيها سرقة 3100 دولاراً في مطار قرطاج تونس من قبل ضباط الديوانة – المالية، والثانية تم فيها سرقة موبايلي مع مبلغ مالي معين من قبل شبان لم يجدوا قوت يومهم، فالتجأوا الى سرقة (الأجانب) بعدما وجدوا أن الفساد ابتدأ من الرسمي.
أعرف أن أحد اصدقائي تمت سرقته في العام الماضي. وأسمع عن سرقات كثيرة في شارع مرسيليا وغيره. لكن هذا لا يمنع من حبي لتونس وأهلها وناسها الطيبين. وما زلت أحترم كل الذين التقيتهم على مدار السنوات الماضية، فلي معهم ولهم معي أيام متواضعة، لاشك بأنها جميلة ومثمرة. وكل سفراتي لا تقل عن عشرين يوماً، وكنت أتمنى في احيان كثيرة أن تطول اقامتي فيها.
السرقة تحدث في العالم كله. والجريمة أيضاً. ليس في تونس حسب.
“نتأسف يا وارد..”
“تونس موش هككه..”
“هؤلاء لا يمثلون تونس الحقيقية..”
” أشعر بالخجل من هذا التصرف اللا أخلاقي..”
” احسبها علينا ولا تتأثر ..”
” تصرف طائش يدعو للخجل والله..”
…هذه بعض كلمات ” التعزية” التي تلقيتها من الصديقات والأصدقاء التوانسة الذين عرفوا بأنني تعرضت لسرقة موبايلي وبعض المال الذي كنت أحمله ونجوتُ من خطر أكيد،. بعدما تعرضت في سنة سابقة الى سرقة رسمية في المطار قام بها بعض الضباط تحت عطاء قانوني غريب وسخيف.. وهذا ما سأثبته من انني تعرضت الى سرقة وليس الى حجز مالي كما أوهموني وقتها.
هل أعود الى تونس للمرة الثامنة ؟
سنقرأ الحلقتين المقبلتين اللتين كتبتهما، ومن ثم يتم تقرير ذلك.
سأبدأ من آخر سرقة واسميتها (السرقة الصغرى) في شارع مارسيليا
ثم أعود الى (السرقة الكبرى) في مطار قرطاج تونس.
رجائي من المعلقين والمعقبين أن يكونوا على قدر المحبة والجمال الذي نراه ونتلمسه في تونس الزرقاء. فهذا الشذوذ عندما نقرأه، لا نبرره أبداً، إنما نبحث فيه عن اسبابه وظروفه الحقيقية في رسالة الى الجمهورية التونسية مفادها أن بلدكم السياحي سيكون في خطر إذا بقي اللصوص الرسميون واللصوص الشعبيون في مأمن من هذه الممارسات المتكررة التي تطال السياح. فأنا لست (المسروق) الوحيد. ومن اليقين أن وزارة الداخلية لديها إحصاءات رسمية عن هذا الموضوع.
(يتبع)