الدكتور عبد الحكيم الكعبي /أكاديمي و أستاذ تعليم عالي
بعيدا عن المزايدات غير الحكيمة، وغير المجدية، وبعيدا عن مشاعر التعالي والكراهية والشعور بالتفوق العرقي أو العنصري البغيض لأي طرف، نقول أن أسماء الطبيـــــعة الجغرافية في الكرة الأرضية و ـ القديمة منها على وجه التخصيص ـ ، لا علاقة لها بالملكية ولا بالتفوق أو بأفضلية طرف على آخر، ولا بالهيمنة ولا بالحقوق المضافة، ولا بأي أمر خاص، فلا المحيط الهندي هو ملك صرف للهنود، ولا بحر الصين تابع للصينيين، ولا المحيط الهادي من عقارات السيد عبد الهادي!!.
ـ مسميات معالم الجيومرفولوجيا تفرضها ظروف أو أحداث تاريخية محددة، أو معطيات الواقع، بعدها تشاع التسمية ويتم تتداولها في الكتب والخرائط، ولا مبرر لأي طرف أن يغضب أو يمتعض من استخدام تسمية ما، يراها تناسب واقعه وقناعاته.
# وبخصوص الجدل الدائر الآن حول تسمية الخليج العربي، والذي أثاره دون مبرر مقنع اتحاد الكرة الإيراني، ثم ردد صداه آخرون دون وعي، نشير إلى الحقائق التاريخية والمعطيات الواقعية الآتية:
ـ أولا: المعطيات التاريخية:
ـ عرف الخليج العربي قبل عصر الإسكندر الأكبر(356 ـ 323 ق.م) باسم ” البحر الأدنى” وهي التسمية التي أطلقها سكان العراق القدامى مقابل إطلاق اسم “البحر الأعلى” على البحر المتوسط لوقوعه في ناحية الشمال.
ـ وردت لأول مرة تسمية “الخليج العربي” (ساينوس أرابيكوس) عند الجغرافي اليوناني سترابو (58 ق.م-23م). المولود بأماسيا في كبادوسيا من آسيا الصغرى، ولا بد أن هذه التسمية كانت معروفة في آسيا قبل سترابو بزمن،
ـ منذ قيام لإسكندر المقدوني (الأكبر) بغزو بلاد فارس والهند شاع اسم الخليج الفارسي بدلا من تلك التسميات، لأن قائد أسطول لإسكندر نيارخوس Nearchus، حين عاد من اكتشافه للمحيط الهندي وسواحل الهند عن طريق الساحل الشرقي للخليج المطل على أرض فـارس أطلق عليه هذه التسمية، دون أن يدرك أو يكتشف السـاحل العربي لهذا الخليج الذي تشـــرف عليه شبــه الجزيــرة العربية،
ـ كان ذلك التعميم نتيجة طبيعية لأن الفرس كانوا قد احتلوا مناطق واسعة من غرب آسيا لقرون عديدة قبل الإسلام، بما فيها الأرض المطلة على الخليج العربي خلال العصور: الإخميني (539-332 ق. م)، البرثي (147ق.م-224م)، الساساني (224-656م)، فكان سببا في شيوع هذه التسمية وانتقالها عن طريق التواتر في مؤلفات اليونان ومن نقل عنهم من الكتاب المسلمين وغير المسلمين.
ـ يتضح من بعض المصادر عدم قناعة الجغرافيين العرب والمسلمين بهذه التسمية لذلك قرنوا هذا المصطلح بأسماء تنسب إلى المراكز العربية المهمة التي تطل عليه أمثال خليج البصرة أو بحر البصرة، ( كما ورد عند الجغرافي محمد بن جابر البتاني، في مؤلفه الزيج الصابئ)، أو خليج عمان.
ـ أطلق جغرافي فارسي مجهول الاسم “عاش في القرن الرابع الهجري على الخليج العربي اسم “خلــــيج العراق “. لأن العراق يقع على رأس الخليج، وذلك في مخطوطته الموسومة [حـــدود العـالم ] التي نشرها المستشرق ميرونسكي عام 1937م .
ثانيا: معطيات الواقـــــــــــــــع:
ـ جميع خلجان البحار في العالم تسمى عادة باسم آخر ميناء أو آخر محطة للسفن فيه، وكانت البصرة العراقية هي آخر ميناء تصل أليه سفن الصين والهند، فكان طبيعيا أن يسمى (خليـــــج البصرة)، وهو ما حصل فعلا ولأكثر من خمسة قرون وخلال الحكم العثماني، كما في جميع الوثائق العثمانية التي لا تقبل الجدل والشك، (ومنها الوثيقة المرفقة).
ـ أما تسمية ( الخليج العربي) فهي تسمية طبيعية تنسجم مع معطيات الجغرافيا السياسية والبشرية، وهي وجود سبع دول عربية تحيط به من الغرب والشمال والجنوب، مع وجود سبع قبائل عربية كبرى على ضفافه الشرقية والتي ضمتها إمارة كعب العربية،(إمارة المحمرة) قبل أن تحتلها إيران في عام 1924. وما زال الوجود العربي هناك قائما.
ـ الحل الأمثل السديد، والرؤية الحكيمة التي اطلقها عالم العراق الكبير الراحل ( مصطفى جواد)، حين قال: نحن من طرفنا نسميه الخليج العربي، لأن كل المعطيات تقول ذلك، كما أن لكم الحق أن تسمونه ( الخليج الفارسي) أو أي اسم آخر تختارونه، دون أن تفرضوا على الآخرين أي تسميــة تخصكم، ودون أن نغضب أو تغضبون .
ـ إن المنطق العلمي والواقعي والجغرافي يفرض أن تعود تسميته الأكثر شهرة ومنطقية وهي: (خليج البصرة)، لأنها آخر ميناء وآخر محطة فيه، و دون أي إطار آخر قومي أو إقليمي .