وطن برس أونلاين

جريدة عربية مستقلة

أهم الأخبار استراليا

 حكومة “الشخص” بقلم الكاتب عباس علي مراد

الكاتب عباس علي مراد

“ما قام به سكوت موريسن بتعيين نفسه سراً في مناصب وزارية عديدة بسرعة وسراً تجعل الديكتاتور يحمر خجلاً”

جاكلين مالي صحافية وكاتبة

من المؤكد أن سكوت موريسن لم يسمع بمسرحية الشخص للأخوين رحباني، لكنه وبدون أدنى شك يعرف أو انه سمع او قرأ  مقولة لويس الرابع عشر أنا الدولة، والدولة أنا.

أمر غير مفهوم، خطأ، إجراء غير حكيم، أمر غريب ولا يمكن أن يجتاز “إختبار الحانة” وغيرها الكثير.. هكذا وصف بعض زملاء سكوت موريسن من حزب الأحرار الحاليين والسابقين ما أقدم عليه موريسن بتعيين نفسه سرأ كوزير رديف لعدداً من الوزرات الأساسية خلال عامي 2020 و2021 (الصحة والمالية والشؤون الداخلية والخزانة والصناعة والعلوم والطاقة والموارد). وهذا ما تذكره موريسن عندما سئل عن الأمر أو الفضيحة!

بدأت رحلة سكون موريسن مع السرية من أجل الوصول إلى السلطة منذ  زمن طويل، منذ نعومة أظافره السياسية، ففي عام 2007 وبعد حملة تشويه وتخويف غير مسبوقة انقلب على مايكل طوق(من أصل لبناني) ليفوز بترشيح الحزب له عن مقعد كوك في سدني علماً أنّ طوق كان قد فاز بالإنتخابات الحزبية ب82 صوتاً مقابل 8 أصوات لموريسن.

في عام 2013 وعندما كان موريسن وزريراً للهجرة كان يستعمل السرية ورفض الكشف عن عمليات إعادة طالبي اللجوء “غير الشرعيين” بحجة أنها قضايا تمس الأمن القومي، واحتجز بظروف غير إنسانية من كانوا موجودين في مراكز الاحتجاز سواء في جزر ناوروا أو بابونيو غينيا وغيرها من جزر الباسيفك أو على الاراضي الأسترالية، واستمر الأمر حتى بعد توليه رئاسة الوزراء. ولولا احتجاز لاعب التنس الصربي نوفاك جاكوفيتش عام 2021 في أحد فنادق مدينة ملبورن لما سمعنا أن هناك نزلاء من طالبي اللجوء في ذلك الفندق محتجزون منذ عدة سنوات ولا يسمح لهم مغادرة الفندق. لكن الكشف عن هذه العمليات أصبح حلالاً زلالاً قبل انتخابات أيار من هذا العام وبأمر من الوزير الرديف لوزارة الداخلية سكوت موريسن نفسه بعد تجاوز الوزيرة ألأصلية كارن أندروز!

في أب اوغسطس من العام 2018 وبعد أن طمأن رئيس الوزراء آنذاك مالكوم تيرنبول بأنه لن يتحدى زعامته ووضع يده على كتفه لنتفاجئ بعد يومين بموريسن يعلن انه مرشح لتولي منصب رئاسة الحزب والوزراء وانقلب على تيرنبول.

ولا ننسى سفره السري إلى هاواي أثناء أزمة الحرائق الني اجتاحت البلاد عام 2019، ولا حين قال انه لا يحمل خرطوم ماء لإطفاء الحرائق، أو نفيه انه يعرف بقضايا الإعتداءات الجنسية التي وقعت في البرلمان، أو ما قاله الرئيس الفرنسي عن موريسن انه كذب عليه بخصوص إلغاء صفقة الغواصات مع فرنسا بعد توقيع إتفاق أوكس عام 2021.

سرية المنح الرياضية التي عرفت ب” الفساد الرياضي” والتي قدرت ب100مليون دولار قبل 3 أعوام، والمنح لبعض المؤسسات التعليمية والصناعية والتي أجل الإعلان عنها إلى ما قبل الانتخابات الأخيرة، وكان لموريسن القول الفصل في منحها وقدرت ب828 مليون دولار وعن سبب التأخير يقول متحدث باسم موريسن أنها كانت تتطلب مشاورات مكثفة.

وما قاله موريسن مؤخراً حين دعى المواطنين لعدم الثقة بالحكومة وهذا ما ظهر من ازدواجية وسرية، فكيف له ان يوفق بين أن يكون رئيساً للحكومة ولا يصارح الشعب يما يعتقد به، لا بل أنه ترشح للتجديد لنفسه، ولكن الشعب كان له ولحزبه بالمرصاد فمني بشر هزيمةٍ سياسية لم يسبق لها مثيل في تاريخ حزب ألأحرار، فماذا كانت ستكون عليه النتيجة  لو عرف المواطنون بفضيحة تعين موريسن نفسه وزيراً رديفاً لعدة وزراء كما تساءل احد الصحافيين.

ما تقدم وغيره مما يمكن أن يظهر للعلن مستقبلاً يبدو أن موريسن يعيش حياة سرية، ولكن لا تجري الرياح كما تشتهي السفن كل مرة، فكانت الفضيحة الأخيرة التي قصمت ظهر بعير السرية التي كان يتلطى خلفها موريسن وقد تواطئ معه في إخفاء تعيين نفسه في الوزرات التي تقدم ذكرها الصحفيان من جريدة الأستراليان سيمون بنسون وجيف تشامبرز اللذان كانا يؤلفان كتاب والتقيا موريسن قبل عامين واخبرهما بالأمر واحتفظا بالسر حتى نشر الكتاب الأسبوع الماضي والذي يحمل أسم ” بلاء، سنتان من الجحيم” والذي فجر الزلزال السياسي وهدم إمبراطورية موريسن السرية.

لقد أثار الإعلان الفضيحة علامات استفهام كثيرة، وعلامات تعجب أكثر حول الشفافية والديمقراطية والمسؤولية والأمانة وما إذا كانت الديمقراطية ألأسترالية بخير ومعافاة، أما انها تواجه أزمة كانت أول بوادرها محاولة موريسن إستغلال بعض الثغرات، وهل يمكن أن نعتبر ان الأمر حدث وأصبح من الماضي كما حاول بعض السياسيين من حلفاء موريسن تصوير الأمر ودعوا الحكومة لمتابعة قضايا الناس المعيشية، وما هو دور الحاكم العام ديفيد هيرلي بالذي حصل، وهل يتحمل المسؤولية، ولماذا لم يسأل رئيس الوزراء عن الهدف من زحفه والسطو على صلاحيات زملائه، وهل يمكن الإكتفاء بما قاله انه ينفذ ما تطلبه منه الحكومة وليس من مسؤوليته التأكد من نشر التعيينات السرية!

تنوعت ردات الفعل سياسياً وقانونياً ودستورياً حول قانونية ما أقدم عليه موريسن والمؤكد حتى الآن أن القضية سوف تتفاعل على أكثر من صعيد مع أنّ موريسون ربما لم يفعل أي شيء غير قانوني أو غير دستوري.

الشيء الوحيد المؤكد حتماً أن موريسن أصيب بضرر قاتل بمصداقيته، وقضى على إرثه السياسي وسيرافقه ذلك ألأمر في الحياة وبعد الممات لأنها سابقة في تاريخ أستراليا الحديثة، ولم يعد ينفع معه أسلوب الدفاع أو التضليل والخداع الذي كان يمارسه موريسن والتهرب من تحمل المسؤولية الذي  يولد المزيد من الأسئلة حول دوره خلال حياته السياسية أو ما رافق الأزمة الحالية عندما قال: إنه كان يتصرف “بحسن نية” في ظروف استثنائية أو كقوله للصحافيين الذين يشككون بروايته  الأسبوع الماضي:”انتم تقفون على الشاطئ بينما كنت أنا أقود السفينة وسط العاصفة”. وقد ذهب البعض إلى حد القول أن موريسن أصبح شخصاً منبوذاً داخل حزبه.

سياسياً، فقد علق رئيس الوزراء أنطوني البانيزي أكثر من مرة على الموضوع ولكن ابرز ما قاله  إتهام موريسن بتقويض الديمقراطية في أستراليا، وإدارة “حكومة الظل” والانغماس في “نوع من النشاط الذي يمكن أن نسخر منه إذا كان في بلد غير ديمقراطي”. وما زال البانيزي ينتظر المشورة القانونية من المحامي العام (المستشار القانوني للحكومة)  ليبني على الشيء مقتضاه.

ودعي البانيزي موريسن إلى الإعتذار عن فعلته من الشعب الأسترالي معتبراً أن إعتذاره من زملائه لا يكفي.

زعيم المعارضة الفيدرالية وخلف موريسن في رئاسة حزب الأحرار بيتر داتون قال:” إن سلوك موريسون كان خاطئًا وأنه مستعد لدعم حكومة حزب العمال لضمان عدم تكرار هذا ألأمر أبدًا” والجدير ذكره أن داتون كان قد حاول التقليل من القضية ودعي الحكومة إلى عدم استغلالها سياسياً ودعى الحكومة الى متابعة قضايا الناس المعيشية الملحة.

وزيرة الداخلية في حكومة الظل كارن أندروز كانت أول من دعى موريسن إلى الإستقالة من البرلمان لأنه مارس صلاحياتها من دون علمها أولاً، وثانياً لأنه اعتذر من زميليه جوش فرايدنبرغ  وماثيوس كورمن عبر الهاتف ولم يتصل بها إلا بعدما ذكره بذلك زعيم المعارضة على الهواء مباشرة.

وكانت دعوة أندروز موريسن للإستقالة قد أخافت زعماء حزب الأحرار خوفاً من خسارة المقعد الآمن (كوك) كما حصل في الإنتخابات الأخيرة في أكثر من مقعد حول أستراليا خصوصاً لصالح المستقلين وهو ما يخشاه الحزب.

لكن ما أراه المسألة مسألة وقت فإذا لم يستقل موريسن وبسرعة سيصبح عبء سياسي على الحزب وسيقضي على أي امل للأحرار في في إعادة توزانهم السياسي ودعك من ربح الانتخابات القادمة

فهل يبادر بيتر داتون لحماية قيادته للحزب ويطلب من موريسن الإستقالة؟

حزب الخضر من جهته دعى إلى تحويل موريسن إلى لجنة الامتيازات البرلمانية التي تملك الصلاحيات القوية لفحص ما إذا كان موريسن قد ازدرأ  البرلمان لفشله في الكشف عن صلاحياته السرية لمجلس النواب.

صحيفة الهيرلد جددت الدعوة إلى تشكيل لجنة ملكية لمراجعة كيفية معالجة الحكومة لأزمة الكورونا، وطالبت أن يكون من صلاحيات تلك اللجنة ما أطلق عليه ألبانيزي “حكومة الظل” جزءًا من اختصاصاتها وأن يشمل التحقيق أيضاً السؤال لماذا سلكت أستراليا هذا الطريق بينما تمكنت دول أخرى من التأقلم دون كسر الأعراف الأساسية لنظام وستمنستر.

أما في ما يتعلق بدور الحاكم العام ديفيد هيرلي ومسؤوليته فقد جاءت ردود الفعل عليها من جانب بعض القانونيين والسياسيين كالتالي:

أستاذ  القانون الدستوري وعضو حزب العمال لوك بيك من جامعة موناش وصف تبرير هيرلي ب”المراوغ” واقترح بيك تعديل القانون ونشر التغييرات الإدارية مثل تعيين الوزراء الجدد أو تغيير الحقائب الوزارية في الجريدة الرسمية.

البروفسر آن تومي، الخبيرة الدستورية في جامعة سيدني تقول ان دور الحاكم العام يتمثل في التصرف بناءً على مشورة الحكومة ، لكن له دور فيما يتعلق بالقضايا الدستورية والتزام العمل بها.

البروفسر جورج ويليامز من جامعة نيو ساوث ويلز، يقول: إن هيرلي “لم يكن لديه خيار سوى التصرف بناءً على نصيحة رئيس الوزراء ولو لم يفعل ذلك لكان ذلك قد أثار أزمة دستورية، لذلك فعل ما هو مطلوب منه ويضيف ويليامز “من المهم أن ندرك أن الحاكم العام ليس لديه سلطة تقديرية وحرية التصرف”. لكن ويليامز يشير إلى أن الحاكم العام لديه القدرة على طلب المزيد من المعلومات ، أو تقديم المشورة للحكومة والأمر متروك لرئيس الوزراء لتنفيذ هذه النصيحة.

وتمثلت ردة الفعل السياسية على دور الحاكم العام بتصريحات عديدة لسياسيين وتراوحت بين المؤيد والمعارض والمشكك، فقد انتقد النائب عن حزب العمال جوليان هيل تصرفات هيرلي وقال لصحف القناة التاسعة أن هيرلي”شارك بفعالية في مخطط تضليل مجلس الوزراء” لكن رئيس الوزراء انطوني البانيزي لم يوافق على رأي زميله في الحزب واعتبر أن هيرلي تصرف وفق توصيات الحكومة وبما يمليه عليه الدستور.

عضو مجلس الشيوخ عن حزب الخضر ديفيد شوبريدج قال: “إن هيرلي بحاجة لتوضيح ما إذا كان قرار عدم الكشف عن التعيينات هو قراره أم  قرار موريسون”

رئيس الوزراء ألأسبق مالكوم تيرنبول (أحرار) قال: إن الحاكم العام “ليس مجرد ختم ” وهناك “دستور يجب العمل به” وأضاف بأن ما هو غير واضح  لديه هو إذا ما كان هيرلي سأل موريسون عن نواياه  وإذا ما كان يعلم أن التعيينات ستبقى سرية.

أخيراً، لفت نظري هذه الرسالة من رسائل القراء في صحيفة الهيرالد  لجو رينبو يقول فيها : أجد أن ألأمر المقلق أن يعتقد موريسون أن  الوزراء جريج هانت وماتياس كورمان وجوش فرايدنبرغ وكارين أندروز وكيث بيت كانوا جميعًا غير معصومين من الخطأ، لكنه لم يكن كذلك. ألم يقل أن الله وحده معصوم من الخطأ؟

ختاماً، أن ما أقدم عليه رئيس الوزراء السابق سكوت موريسن يعتبر سابقة ويجب سد الثغرات الدستورية أو الأعراف التي قد يستخدمها السياسيين مستقبلاً مهما كانت التوصية التي سيقدمها المحامي العام ( المستشار القانوني للحكومة) ويجب عدم إعتبار ما حصل خطأ عابراً أو فعل ماضي.

وأفضل تعليق على ذلك ما كتبه الكاتب ديفيد كرو: إن رئيس الوزراء السابق سكوت موريسن حول نظام وستمنستر إلى مسرحية هزلية بعد أن جرده موريسن من أسسه ودوره الواضح بمساءلة الحكومة أمام البرلمان وأصبح الآمر مزحة بسبب الأدوار السرية والمسؤوليات غير الواضحة.

المصدر / مجلة عرب استراليا 

اترك ردا

Developed and designed by Websites Builder Ph:0449 146 961