السيد حيدر السويج أهدى أحد مؤلفاته عن الأمام الحسين (ع) الى قصر الثقافة في البصرة بمناسبة أيام عاشوراء العظيمة
كتب – سعدي السند : إعلام قصر الثقافة في البصرة
أهدى السيد حيدر السويج أحد مؤلفاته عن الأمام الحسين عليه السلام الى قصر الثقافة في البصرة التابع لدائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة وبعد ان تسجل ادارة القصر شكرها وامتنانها للسيد السويج على هديته الكبيرة التي خصّها بها ….. ينشر قصر الثقافة جانبا من هذا البحث الحسيني المميز بمناسبة ايام عاشوراء العظيمة الخالدة .
لقد شارك الإمام الحسين عليه السلام أنصاره وجيشه في السرّاء والضرّاء، وواساهم وأهليهم بنفسه وأهليه، عاش في وسطهم، يَتعرّض لما يتعرّضون له، ولم يضع فاصلاً بينه وبينهم كما يفعل الكثير من القادة عادة مع جنودهم، بل كان فيهم كأحدهم، وهو القائل: «نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم فلكم فيّ أُسوة»
أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين عليه السلام : ص86.
ولما كان صبيحة اليوم العاشر من محرّم ثبت هو وأهل بيته في القلب، وكان أوّل مَن تقدّم من أهل بيته وَلَده وفلذّة كبده علي الأكبر
الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال: ص256.
وكمثال لذلك نأخذ قصة (جون) الذي كان خادماً للصحابي الجليل أبي ذرّ الغفاري (رضوان الله عليه)، ثمّ انتقل إلى خدمة الإمام الحسين عليه السلام ، ورافقه إلى كربلاء، وعندما رأى أصحاب الإمام عليه السلام وهم يسقطون شهداء واحداً تلو الآخر، تقدّم هذا العبد إلى المولى الحسين عليه السلام بكلّ خشوع وتذلل يستأذنه في قتال الفئة الباغية، إلّا أنّ الإمام عليه السلام قال له بكلّ حبّ وتقدير: «أنت في إذن منّي؛ فإنّما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتلِ بطريقنا، فقال: يا بن رسول الله، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم، والله، إنّ ريحي لنتن، وإنّ حسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفّس عليَّ بالجنّة فتطيب ريحي ويشرف حسبي ويَبيَّض وجهي، لا والله، لا أُفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. فأذن له الإمام، فقاتل حتى استُشهِد»
ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف على قتلى الطفوف: ص64ـ 65.
وبعد الشهادة ذهب إليه الإمام الحسين عليه السلام وقال: «اللّهم بيّض وجهه، وطيّب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرّف بينه وبين محمد وآل محمد
البحراني، عبد الله، العوالم: ص266.
فكان كلّ مَنْ يمرّ بالمعركة يشمّ منه رائحة طيّبة أذكى من المسك.
وموقف آخر مع عبد آخر وهو واضح التركي مولى الحرث المذحجي، لمّا صُرِع استغاث بالإمام الحسين عليه السلام ، فأتاه أبو عبد الله واعتنقه، فقال: «مَن مثلي وابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضع خدّه على خدّي! ثم فاضت نفسه الطاهرة»
المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسين عليه السلام : ص249. الخوارزمي، الموفّق بين أحمد، مقتل الحسين عليه السلام : ج2، ص24.
وهكذا الحال مع أسلم مولاه؛ إذ مشى إليه الإمام عليه السلام واعتنقه، وكان به رمق، فتبسّم وافتخر بذلك ومات
المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الإمام الحسين عليه السلام : ص249. الخوارزمي، الموفّق بين أحمد، مقتل الحسين عليه السلام : ج2، ص24.
فإلامام كان حريصاً أشدّ الحرص على خدر هذه الثلة المؤمنة من النساء، فأرجع أُمّ وهب، وكان وهب رجلاً نصرانياً أسلم على يدي الحسين عليه السلام هو وأُمّه، فاتبعوه إلى كربلاء، فقاتل بين يدي الإمام، ثم أُسر، فأُتيَ به إلى عمر بن سعد (لعنه الله) فأمر بضرب عنقه، فضُربت عنقه، ورُمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام ، عند ذلك أخذت أُمّه سيفاً وبرزت تريد القتال، فقال لها الإمام الحسين عليه السلام : «يا أُم وهب، اجلسي؛ فقد وضع الله الجهاد عن النساء، إنّك وابنك مع جدّي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة»
الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص225.
، فغيرة الإمام وحميته على النساء أبت أن يسمح لهن بالقتال وبالبروز أمام الأعداء.
وهذا ما حصل أيضاً مع أُم عمرو بن جنادة الأنصاري، فبعد أنْ قُتل زوجها جاء ولدها جنادة وهو ابن إحدى عشرة سنة يستأذن الحسين عليه السلام في القتال، فأبى الإمام وقال: «هذا غلام قُتل أبوه في الحملة الأُولى، ولعلّ أُمّه تكره ذلك. فقال الغلام: إنّ أُمّي أمرتني. فأذِنَ له، فما أسرع أنْ قُتل ورُمي برأسه إلى جهة الحسين عليه السلام ، فأخذته أُمّه ومسحت الدم عنه، وضربت به رجلاً قريباً منها، وعادت إلى المخيّم فأخذت عموداً لتقاتل به وقيل: سيفاً، إلّا أنّ الإمام عليه السلام ردّها إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجُلَين
المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين عليه السلام : ص253.
بيّن الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه في أكثر من مرّة بأنّ نجاح ثورته إنّما تكون باستشهاده واستشهاد جميع أنصاره، ولم يُمارس عليه السلام الكذب والخداع والتمويه مع أنصاره، وإنّما أوضح لهم أنّ هدف حركته وهو إصلاح الواقع لا يتمّ إلّا من خلال بذل دمه الطاهر ودماء مَن اتّبعه من أهل بيته وأصحابه، ولم يعتمد على تجهيل النّاس الحالمين بما لا ينال، أو التغرير بهم عن طريق الشعارات والوعود الفارغة، فلم يُمنِّ النّاس بالأموال أو بالمُلك، أو بأيّ أمر من أُمور الدنيا، بل أعلمهم منذ بداية الأمر بأنّ الشهادة هي مصيره ومصير مَن يتبعُه، كيف لا؟! وهو القائل في خطبته عند الخروج من مكّة مُتوجّهاً لأرض العراق ـ علماً بأنّ تطورّ الأحداث حتّى ذلك الوقت كان لصالحه عليه السلام ـ : «خُطّ الموت على وُلد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوبَ إلى يوسف، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي يتقطّعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جُوفاً، وأجربةً سُغباً، لا محيصَ عن يوم خُطَّ بالقلم» إلى أن قال: «مَن كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل، فإنّي راحل مُصبحاً إن شاء الله»
المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص367.
وكتب إلى بني هاشم لمّا أراد الخروج إلى الكوفة كتاباً جاء فيه: «أمّا بعد، فإنّ مَن لَحِقَ بي استُشهِد، ومَن لم يَلحق بي لم يُدرك الفتح»
ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص157.
لمّا رمى عمر بن سعد بسهم نحو معسكر الإمام الحسين قائلاً: اشهدوا لي عند الأمير بأنّي أوّل رامٍ رمى نحو معسكر الحسين عليه السلام ، ثم توالت السهام على المعسكر، عند ذلك قال الإمام عليه السلام لأصحابه: «قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه؛ فإنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم»
ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف على قتلى الطفوف: ص60.
ولمّا اشتدّ الأمر بالإمام عليه السلام ومَن معه، ودنوا من الحياة الأبدية والسعادة الأُخروية قال لهم الإمام عليه السلام : «صبراً بني الكرام، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فأُيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر، وما هو لأعدائكم إلّا كمَن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب. إنّ أبي حدّثني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم، ما كذَبت ولا كُذِبت
الصدوق، محمد بن علي، معاني الأخبار: ص289.
ولما زحف ابن سعد بجيشه في عشيّة يوم التاسع من المحرم نحو معسكر الإمام، كان الحسين عليه السلام جالساً أمام خيمته، محتبياً بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه، وسمعت أُخته العقيلة زينب عليها السلام الصيحة، فدنت من أخيها قائلة : «يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الإمام الحسين عليه السلام رأسه وقال: إنّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم الساعةَ في المنام فقال لي: إنّك تَروح إلينا. فلطمت وجهها ونادت بالويل، فقال لها: ليس لكِ الويل يا أُخيّة، اسكتي رحمك الله»
المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص90.
، فالإمام لم يزجرها، ولم يتكلم معها بلهجة فيها شدّة، بل تكلّم معها بكل عطف وحنان.
وكتب ابن زياد إلى عمر بن سعد يأمره أن يمنع الحسين ومن معه الماء، فأرسل عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وبين الماء، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام، ونادى ابن حصين الأزديّ: يا حسين، أما تنظر إلى الماء؟ لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشاً، فقال الحسين: اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً، قال فمرض فيما بعد فكان يشرب الماء القُلّة ثم يقيء ثم يعود فيشرب،… فمازال كذلك حتى مات. وذكر البلاذري: فمات ابن حصين بالعطش، كان يشرب حتى يبغر
يبغر: أي كان يشرب إلى أن يمتلئ جوفه من الماء فما يروى، ولا يسكن عطشه.
فيما يروى، فمازال ذاك دأبه حتى لفظ نفسه
لفظ أنفاسه: أي حتى مات، يقال: لفظ فلان نفسه.
ويقال: إنّ عمرو بن الحجاج قال: يا حسين، هذا الفرات تلغ فيه الكلاب، وتشرب منه الحمير والخنازير، والله لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم
. أنساب الأشراف: ج3 ص181؛ الكامل في التاريخ: ج2 ص556؛ تاريخ الطبري: ج4 ص311.
ونادى المهاجر بن أوس التميمي: يا حسين، ألا ترى إلى الماء يلوح كأنّه بطون الحيّات،
المضبوط في جل المصادر (الحيتان) وهو جمع حوت، والكلام كناية عن شعشعة الماء وتموجه.
والله لا تذوقه أو تموت، فقال الحسين: (عليه السلام)إنّي لأرجو أن يوردنيه الله، ويحلئكم
يحلئكم: أي يطردكم عنه ويمنعكم عن وروده.
عنه (عليه السلام)
أنساب الأشراف: ج 3 ص 181.