بقلم: فيصل عبد الحسن*
الحديث عن كتاب القاصة المبدعة هاديا سعيد في هذا الوقت الذي تتكشف فيه حقائق كثيرة عن أدوار كريهة قام بها كتاب عرب عاشوا في العراق وساهموا في مأساة الانسان العراقي وقبضوا من النظام الصدامي السابق لقاء هذه الخدمات مالا حراما من أموال شعبنا و من مستقبل أجيالنا القادمة، ولكن في الضد كان هناك من الكتاب والكتابات العربيات اللاتي وقفن مع الشعب العراقي في محنته وهن في داخل العراق أو خارجه ومكافأة هؤلاء الوحيدة هي أنهم وقفوا مع الحق والعدل وأثبتوا جدارة القلم العربي حين يكون مع أهله وذويه ولم تخدعه الدعاوى القومية الكاذبة للنظام السابق،
وهاديا سعيد الكاتبة اللبنانية المعروفة واحدة من هاته الكاتبات اللائي وقفن مع حق العراقيين في الحصول على حريتهم من حكم دكتاتوري ظالم أحرق الأخضر واليابس وقسم الظلم على ابناء شعبنا بالتساوي فلم ينج من ظلمه أحد… ولي هنا وقفة مع كتابها الجديد الذي يخص حياتنا العراقية التي عشناها في العقود الثلاثة الماضية وعنوان الكتاب يشير بوضوح الى مادتة الغنية – سنوات مع الخوف العراقي –
… يشاء القدر لصحفية لبنانية شابة أن تتزوج من شاعر عراقي عام 1972 وتسافر من لبنان لتستقر في بغداد في بيت زوجها، والأنتقالة من لبنان في السبعينات وهو بلد الصحافة الحرة واخر الصرعات الفكرية تمر به أولا قبل ان تصل الى باقي الأقطار العربية الى بلد بدأت تجرب فيه أقسى الطرق وأسرعها لأختزال الوطن بشخص واحد، هي أنتقالة صعبة حقا، وستلاحظ صاحبتها الفرق فورا وربما منذ نزولها على أرض المطار، وبعد أن بدأت العمل في مجلة – ألف باء- في قسم التحقيقات، وبالرغم من أنها حديثة العهد مع الخوف العراقي إلا أنها بدأت تتعرف عليه سريعا، فقد عرفت مبكرا أن تيارين في البلاد يسودان الحياة السياسية أو ان مجموعتين تقودان العراق في تلك الفترة، جماعة الأب القائد، وهي جماعة محافظة وتقليدية وعلى رأسها الرئيس أحمد حسن البكر، وجماعة من الشباب التي يقودها النائب صدام حسين، وكان وقتها ينظر المثقفون اليساريون العراقيون إلى شخصية صدام، ويعتبرونها تجسيدا للسياسي اليساري، وفي كثير من الأحيان كانوا يشبهونه بالسياسي الروسي تروتسكي أو بالثائر الكوبي التاريخي خوزيه مارتيه واعتبروه كاسترو العراق، خصوصا بعد أن التئم شمل الجبهة الوطنية في العراق عام 1973 ووقتها كانت نقاشات حادة تقع بين اليساريين العرافيين والشيوعيين لإيجاد أفضل الطرق لكسب صدام إليهم، وكان هو يريد سحب الشيوعيين واليساريين كافة لينضووا في منظمات حزب البعث متخلين عن أفكارهم وتنظيماتهم بما كان يسمى خط التجمع الوطني، التابع لحزب البعث تنظيميا وفكريا، وتحدثنا القاصة هاديا سعيد التي كانت وقتها في العشرينات من عمرها وقد أقترنت بالشاعر العراقي جليل حيدر عن عملها في مجلة ألف باء في وقت كانت تدور فيه الأجتماعات والحلقات الدراسية التي تبحث في أسباب أنخفاض الأنتاجية في دوائر الدولة وكان يشرف على تلك الندوات والأجتماعات النائب صدام نفسه، وكان المقرر لتلك الجلسات طارق عزيز، ويشاء القدر أن تتأخر الصحفية الشابة عن إحدى تلك الجلسات بسبب ظرف عائلي، وفي اليوم التالي وجدت على منضدة مكتبها في المجلة أمر فصلها من عملها، كانت مفاجأة كبيرة لها ولم تعرف ماذا تصنع، وأشارت لها إحدى قريباتها أن تتصل بالسيد النائب لتقدم له شكاية بسبب فصلها غير المبرر من عملها وبعد عدة محاولات أستطاعت أن تحدثه تلفونيا، فطلب منها أن تقابله في القصر الجمهوري، وفي القصر الجمهوري أخبرها صدام أنه هو الذي أمر بفصلها من المجلة ولو كانت عراقية لأمر برميها في السجن .. ورفض دفاعها عن نفسها، ولكنه وعدها بالتفكير بأمرها وأتحاذ القرار المناسب لحالتها فيما بعد، وبعد ذلك اللقاء بمدة أستدعاها طارق عزيز، وتكررت الأسئلة مع كل استدعاء ومع كل سؤال كان خوفها يزداد فهي كانت تستعيد ما كانت ترويه صديقاتها العراقيات عن حالات الأختفاء لنساء ورجال عراقيين أشتبهوا بهم كمعارضين، أو أنهم تصرفوا بما يشي عن عدم ولائهم لبعض المسؤولين واعضاء في السلطة الحاكمة أو تلفظوا بكلمات تسيء إلى رموز الدولة والحزب، ووقتها لم تكن تصدق تلك الحكايات وتعتبرها مضخمة أو لها أغراض سياسية معادية لأهل السلطة، ولكنها تساءلت أن في تلك الأيام الصعبة من منا لم يسمع بنكات كان يروجها رجال المخابرات والأمن العراقيون عن أشخاص حلموا أنهم يشتمون رئيس الجمهورية أو السيد النائب فتم اعتقالهم لأنهم حلموا بهكذا حلم، وكانوا بهذه الطريقة يخيفون العراقيين الخوف الذي جعلته الكاتبة هاديا سعيد بطلا وعنوانا لكتابها المهم – سنوات مع الخوف العراقي -، فهي تعترف فيه عن خوفها الذي لا يشبه خوف العراقيين، فهي عربية وكان هناك من يسأل عنها إذا أختفت فجأة… كسفير بلدها ووزارة الخارجية في لبنان والصحافة اللبنانية وأهلها، أما لو كانت عراقية فإنها ستختفي من دون أن يسأل عنها أحد غير أهلها المثكولين، الذين سيسألون هذا وذاك من دون جدوى ثم بعد ذلك يستسلمون لقدرهم الغاشم ويصمتون ..وتحكي الكاتبة أيضا في كتابها ما يشبه الفصول الروائية، وفي الكثير من صفحاته تشعر أنك مأخوذ حقا بوصفها لجزيئيات المشاعر الإنسانية محللة الخوف بوصفه غريزة للحفاظ على الذات وبحثها الدؤوب عن الأمان من خلال ا لصديقات العراقيات والقراءة وأنتظار فيلم يوم الجمعة الذي يبث من التلفزيون العراقي وأخبار ما اغدقته الدولة من أموال النفط على الكتاب العرب والقادمين منهم من مصر وسوريا ولبنان، وبلغتها الأدبية المتميزة أوصلت إلينا هاديا سعيد معنى كلمة خوف فهي قاصة متميزة، ولها اربع مجموعات قصصية هي – أرجوحة الميناء – و- ياليل – و –رحيل- و –ضرية قمر – أضافة إلى روايتين هما – بستان أسود- و –بستان أحمر – والكاتبة تشرف على برنامج يرعى المواهب العربية في القصة القصيرة بأسم – أوراق – يذاع من إذاعة بي بي سي البريطانية باللغة العربية …. لقد كانت الكاتبة هاديا سعيد بما كتبته في كتابها وفية للعراقيين عند وجودها في العراق وبعد خروجها منه مع موجة المهاجرين من المثقفين العراقيين بعد أنفضاض الجبهة الوطنية عام 1978، حيث أستقرت بالمغرب عدة سنوات وأهتمت بقضايا المرأة المغربية ودافعت عن النساء المغربيات والعربيات فكتبت كتاب : نساء خارج النص : نماذج من نساء مغربيات ودفتر عائد : صياغة روائية للأتفاقات الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .. الكاتبة هاديا سعيد ألتزمت دائما قضايا المغلوبين، الفقراء، وأنتصرت لهم من ظالميهم بعكس اولئك الكتاب العرب الذين لوثوا أيديهم بأموال كوبونات النفط والرشى المالية التي كان يغدقها النظام العراقي السابق عليهم وأذوا عيون الناس بكتاباتهم المنافقة التي زينت الظلم في عيون الظالمين وأطالت من زمن المأساة والخوف العراقيين كثيرا … واتمنى هنا على أخوتنا في مصر الكنانة الذين عاشوا في العراق سنوات الخوف تلك أن يرووا ما حدث فعلا لهم، وما طالهم من شرور النظام السابق عند ما رماهم سوء الحظ أو الأشتباه، أو لأخطاء بسيطة غير مقصودة منهم أو حتى بسبب تقاطع مصالحهم مع مصالح رجال مهمين في السلطة السابقة تحت نقمة الجلادين ولعمري أن تلك القصص من التجاوزات والظلم للأسف تملأ مجلدات…..
فيصل عبد الحسن – كاتب عراقي يقيم بالمغرب