حمزة مصطفى
إنتقل العراقيون من سؤال المطبخ الخالد “شنو غدانا اليوم؟” الى “متى تتشكل الحكومة؟ “. فالعراقي الموظف حين تتصل به زوجته لتلطب منه جلب لبن حين يعود بعد نهاية الدوام فإن أول سؤال يخطر في باله هو .. “شنو طابخة اليوم” . وحين يتصل هو بعد أن يقضي أول ساعتي دوام يلعب بـ “سبحته ” وقبل إنشغاله بأول لفة بيض بالصمون والطماطة يخرج منه لا إراديا سؤال المطبخ .. “شنو طابخة اليوم” . وبعيدا عن الدوائر فإن سؤال المطبخ يبقى هو الأول بين المرأة وصديقاتها “شنو طابخة اليوم “. أو بين الرجل وأصدقائه فإن سؤال المطبخ قد يكون قاسما مشتركا حين يدعوه مثلا الى “طلعة ” في مقهى الأطرقجي أو التتنجي أو رضا علوان ليأتي الجواب شبه الدائم “والله اليوم عدنه باميا ماتتفوت” أو “فاصوليا أو دولمة تأكل أصابعك من وراها”.
الآن برز أمامنا سؤال جديد لاسيما الإنتخابات الأخيرة “المبكرة جدا”. فقد تراجع سؤال المطبخ ليتقدم سؤال الحكومة. الزوجة تتصل بزوجها الساعة التاسعة الإ ربعا صباحا بينما هو “محصور” مرتين, مرة بسبب المثانة, ومرة بسبب الإزدحام لتسأله “سمعت أبيش بطل الزيت اليوم؟ وقبل أن يجيب يأتيه السؤال المباغت” أكلك أشوكت تتشكل الحكومة؟”. المصيبة أن الرجل محصور قبل وصوله الدوام الذي يطلقون عليه زورا وبهتانا رسمي وإستئنافه اللعب بـ “السبحة” لساعتين قبل بدء الدوام الفعلي إن وجد بدقائقه الثمانية عشر كما يقول خبراء الإقتصاد ليس بوسعه الإجابة عن هذا السؤال الذي يشبه السؤال الأزلي عند العراقيين وهو “شكو ماكو”.
الرجل حين يتصل بزوجته قبل إنتهاء الدوام بساعة على الأقل قائلا لها بلهجة شبه آمرة “رايدين شي أجيبه بدربي” وقبل أن تضع أمامه الزوجة سلسلة طلبات بعضها تعجيزي يأتي رده قاطعا مانعا “إشوكت تتشكل الحكومة ونخلص”. الزوجة من جانبها وهي تستغرب هذا السؤال “البايخ” من “خلك” موظف تبدأ تضرب أخماس بأسداس.. ماذا يريد أن يفعل بعد تشكيل الحكومة. لم يطل قلقها حتى يأتيها الجواب القاطع “والله ملينا, الأسعار صاعد نازل, الوضع مدري شلونه”. في المقهى ما أن يكتمل عدد الأصدقاء وقبل بدء أول داس من الطاولي أو الدومينو يأتي السؤال “أكلكم إشوكت تتشكل الحكومة”. الجواب نفسه “والله ما أدري”.
لماذا تغيرت إهتمامات العراقيين من المطبخ الى الحكومة؟ الإجابة بسيطة, فالدولة ككيان ومفهوم أفرغت من محتواها تماما. بالنسبة لباقي شعوب العالم ممن لديهم منظومة دولة متكاملة لاينشغل الناس بسؤال الحكومة أبدا. يمكن أن يكون سؤال المطبخ أو الموظة أو السينما أوالمسرح أو آخر الإصدارات هو الحاضر وهو القاسم المشترك بين أصحاب مثل هذه الإهتمامات. فالحكومات في الدول المستقرة لايتأثر فيها لا راتب الموظف ولا بطل الزيت بصرف النظر إن كان حراك سياسي أو حرب بين دولتين في قارة أخرى. المتنافسون على مقاعد البرلمان والحكومة هم ليسوا من إهتمامات الناس اليومية. المواطن هناك ينتمي الى منظومة دولة هي أكبر من الحكومات والبرلمانات والرئاسات والزعامات. حقوقه مضمونه تشكلت الحكومة في غضون يوم أو خلال سنة. المواطن في هذه الدول يشعر أن لديه وطنا يحتوي الجميع. هذا الوطن يتعاقد مواطنوه على دولة بحدود وسيادة وعلم ودستور ومجلس أمة ولطن .. ليس مثل علم ودستور ومجلس أمة معروف الرصافي.
المقال منشور في جريدة “الزوراء”