د. سامي سعدون*
الولايات المتحدة وبمشاركة باكستان اسسوا ودربوا وسلحوا عام 1994 حركة طالبان من طلبة المدارس الدينية في باكستان غالبيتهم من البشتون الجبليين الاشداء لتكون بديلا عن حكم التحالف الثماني لأحزاب الإسلام السياسي وقياداته المعتقّة أمثال رباني والسياف وحكمتيار ومحمدي وعبد الرشيد دوستم وملا اسماعيل و..الذي يرى كل واحد منهم انه احق بالحكم !
ثم تخلت واشنطن عن طالبان التي حكمت عام 1996 بغزو أفغانستان والاطاحة بهم عام 2001، واليوم تأتي بـ طالبان ثانية بتوقيع اتفاق سلام معهم في تموز ـ يوليو 2020 انسحبت بموجبه القوات الامريكية ! فهل ان ماحصل فجأة ودون تخطيط ؟ لايمكن تصديق الرواية الرسمية الامريكية بان ما حصل من انتصار طالبان ودخولها كابل وفرار المسؤولين السابقين وجيش الـ 300 ألف المدرب والمسلح امريكياً! قد فاجأ الرئيس جو بايدن وادارته !نعم سرعة انتصار طالبان وهذا الانهيار الأسرع لحكومة اشرف غني قد يكون هو المفاجأة ! ولكن لانسحاب القوات الامريكية المفاجيء حساباته في ميزان المصالح والتنافس الإقليمي والدولي على افغانستان؟!
فليس من المعقول ان تفرط واشنطن بهذا البلد المنجم بمعادنه الثمينة ( ذهب ونحاس وحديد وكوبلت وليثيوم ويورانيوم) بقيمة مقدرة بأكثر من تريليون دولار يضاف له موارد النفط والغاز الطبيعي ،والاهم موقع افغانستان الهام وسط اسيا اذ كانت “دولة عازلة” أيام الحرب البادرة واليوم تعتبر ممراً أساسياً ووحيداً للنفط والغازالطبيعي من دول اسيا الوسطى الى بحر العرب (خط tapi لانابيب الغاز من تركمانستان ـ باكستان ـ الهند، والخط الثاني ipi أيران ـ باكستان ـ الهند) وازدادت الأهمية بعد قيام الصين باحياء طريق الحرير وتنفيذ مشروعها العالمي( حزام واحد ـ طريق واحد ) الذي يربط القوقاز بغرب الصين وبامير باوزبكستان على طريق الحرير الشمالي، والذي يشكل إنجازه نصرا اقتصاديا وسياسيا صينيا تصبح فيه الهيمنة للصين على مناطق الطاقة ! فهل ان الامريكان لايدركون ذلك ولا يقدرون خطورة تفوق الصين وتحالفها مع روسيا على مصالحهم ؟
واشنطن تعي ان عودة طالبان مخاطرة أقدمت عليها لخلط الأوراق واغراق أفغانستان بالمزيد من الدماء والمشاكل وبما ينعكس على أوضاع دول الجوار وبالأخص الصين وروسيا ! مقدرة ان لهؤلاء حساباتهم أيضا من عودة طالبان ، فكيف تنظر هذه الاطراف لما حصل وماهي تداعياته؟ من الدول التي نظرت الى عودة طالبان بمنظار إيجابي باكستان فهي حاضنة أساسية للحركة التي نشأت فيها وتعتبر بشاور الباكستانية معقلا أساسيا لمقاتلي الحركة وكانت باكستان من بين 3 دول اعترفت بحكومة طالبان عام 1996 ، فمجيء طالبان سيساعد على اسكات البشتون الباكستانيين من المطالبة بالانفصال ،ويسهل حل مشكلة الحدود وما يسمى بخط دوراند الفاصل بين المناطق القبلية الباكستانية عن افغانستان ،كما ان الميزان التجاري بين البلدين سيكون بأفضل حالاته لاسيما وان باكستان تثق بطالبان، وفي ذات الوقت فان عودة طالبان ليس في صالح الهند ونفوذها المتسع منذ سقوط طالبان عام 2001 ولن يفيد اتفاق الشراكة الموقع مع أفغانستان عام 2011 وان دلهي تخشى من اندلاع انتفاضة في كشمير كما حصل بعد الانسحاب السوفييتي عام 1989، اما روسيا فلم تكن علاقتها بطالبان طيبة اذ كانت تنظر اليها كحركة إرهابية كبيرة وقد شاركت الامريكان الحرب على طالبان تحت شعار مكافحة الإرهاب ،وانها دعمت حكومات مابعد الغزو الأمريكي ، ولكنهم عادوا وتحالفوا معهم في محاربة داعش لخوفها من انتقال خطر داعش الى جمهوريات اسيا الوسطى ، كما تقربّت منها موسكو بعد العقوبات الدولية ضدها، فمصلحة روسيا تتلخص اليوم باحتواء طالبان ومنع انتشار نفوذها وتأثيرها في اسيا الوسطى وستعمل جاهدة مع الصين للتقرب اكثر من طالبان لاسيما وانها ليست طالبان 96 ، فاليوم يطلب ودّها الجميع لأهمية أفغانستان بموقعها المميز ولكون باطن جبالها واراضيها منجماً للثروات الطبيعبية والنفط والغاز الطبيعي وممراً لهما حتى بحر العرب ، والصين يهمها ان تضمن اكمال مشروع طريق الحرير بسلامة وان مروره عبر أفغانستان أساسي وانجازه يعنى اتساع نفوذ الصين على حساب الامريكان !
علماً ان الصين من اكبر شركاء أفغانستان في التجارة والاستثمار وتشترك معها بحدود من خلال ممر ( واخان ـ 70 كم) وان علاقات بكين بطالبان جيدة اذ زارها عدد من قادة الحركة عام 2019 وانها ستحرص على تطويرها وتوثيقها وبما يساعد على تهدئة طائفة الاويغوز المسلمة المطالبة بالاستقلال ومنع تواصل طالبان مع متشددي الاويغوز في إقليم شينجيانغ ، اما ايران فهي اكثر دول المنطقة تأثراً اذ انها وقفت ضد طالبان منذ عام 1996 وكادت ان تنشب بينهما حرب بعد مقتل 8 دبلوماسيين إيرانيين في ولاية مزار شريف، وكان ملالي ايران ابرز الداعمين للتحالف الثماني قبل الغزو الأمريكي عام 2001 والمشاركة في اسقاط طالبان آنذاك! لكن ملالي طهران ووفق سياسة البازار اقاموا سراً علاقات مع طالبان وبالتحديد بعد ظهور داعش لمواجهة مخاطره ومنع دخولهم الأراضي الإيرانية لاسيما وانها تشترك مع أفغانستان بحدود واسعة تمتمد من ( هلمند في الجنوب صعودا الى ولاية قندز) كما لايخفى ان العديد من قادة وعوائل طالبان يقيمون في مدن زاهدان واصفهان الإيرانية ، ومدى التأثر والخوف الإيراني من العودة المفاجئة لطالبان انعكس فور الانسحاب الأمريكي من الأراضي الأفغانية اذ تحركت لتأسيس حشد ( حرس أفغاني) من قومية الهزارة ( نسبة الشيعة الأفغان بين 10 ـ 12% اغلبهم من الإسماعيلية ونسبة قليلة من الاثني عشرية) ونواتها ميليشيا الفاطميون الذين قاتلوا مع ايران في حربها ضد العراق 1980 ـ 1988 وفي سوريا ولبنان واليمن بعد إعادة التشكيل عام 2015 !كما اجرى الحرس الثوري الإيراني والجيش مناورات عسكرية واسعة على الحدود مع أفغانستان من باب ابراز العضلات اذ تهدف عودة طالبان باتفاق مع الامريكان وقيام سلطة بعقيدة مناوئة للعقيدة الإيرانية في واحد من أهدافه اضعاف ايران وارغامها على الانصياع لواشنطن ،وبالتأكيد ان لهذا تأثيره على النظام في العراق بشكل اكبر إضافة الى تأثيراته على الذيول في سوريا ولبنان والحوثيين في اليمن وبما يجعل طهران تعيد النظر وتتوقف عند الإصرار على امتلاك السلاح النووي والتمدد على حساب دول المنطقة وممارسة ودعم ونشر الإرهاب من خلال المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري وما يسمى بالولائية وتهديداته المستمرة وهجماتها على القواعد والمعسكرات الامريكية في العراق ! ويكفي ان دخول مقاتلي طالبان العاصمة كابل وانهيارالسلطة التي أقامها المحتل الأمريكي والهروب الجماعي للمسؤولين وانصارهم وتبخر 300 ألف عسكر أفغاني مخلفين أسلحتهم الحديثة هو ما افزع سلطة الملالي في طهران والأنظمة الخزافية المرتبطة بها التي لن يكون مصيرها بأفضل من مصيرالنظام الافغاني لاسيما وان الامريكان سرعان ما يتخلون عن اتباعهم ومهما قيل عن احداث أفغانستان فانه يعتبر نصر لطالبان وهزيمة للولايات المتحدة وان انتصار طالبان هو درس ودافع للتحرك للشعوب والدول المماثلة.
اعلامي وسفير عراقي سابق