بقلم هاني الترك
By Hani Elturk Oam
سؤال: هل من الممكن إقامة صداقة نقية صادقة بين المرأة والرجل في المجتمع العربي.. مثلما يمكن ذلك في المجتمع الغربي؟
أقصد صداقة صادقة بالمفهوم الإنساني لا يدنسها الجسد.. يرتفع كل واحد منهما الى المستوى الروحي بلا مصلحة ذاتية وبعيداً عن الأنانية؟
الإجابة عندي لا.. لأن تقاليدنا العربية تقف بمثابة الحاجز لإقامة مثل هذه العلاقة.. حيث يوجد بين الرجل والمرأة وبحكم التقاليد مسافة لا يستطيع كل منهما ان يتعداها.. وإلا إقترب من الأسلاك المكهربة لتحطيم العلاقة وتهديمها.
واللوم في رأيي يعود على الرجل العربي الذي ينظر دائماً الى المرأة على انها هدف جنسي لإشباع اللذة المشتعلة.. مع ان المرأة هي إنسان في عقلها جمال وفي عاطفتها لذة وفي رقتها جاذبية. ان النظر الى المرأة بهذه المقاييس هو أعمق تأثيراً وأكثر وقعاً من مجرد العلاقة الجنسية البحتة.. فالرجل العربي لم يدرك بعد انه حتى الجنس عند المرأة هو جزء من تكوينها وتركيبها النفسي والعقلي والعاطفي.. بحيث ان العملية ليست هي بضعة دقائق يعربد فيها الحيوان الجنسي في داخله فحسب.. ولكن العلاقة الصحيحة هي أبعد من ذلك بكثير.. حيث انها اللقاء العقلي والتفاهم الفعلي الذي يستغرق وقتاً طويلاً لتنضج العلاقة وتحقق ذاتية الطرفين منها.. فإذا إستقرت إمرأة عربية وحيدة في حياتها لتمارس حقها في الصداقة الحقيقية.. فلابد ان تُتّهم بالتحررية بل وربما بالإباحية.. فتنظر العيون إليها على انها هدف سهل للإفتراس والمتعة الجنسية.
وغير هذا فإن الرجل العربي يعين نفسه حارساً وصياً على المرأة سواء كانت زوجته أو أخته.. ليخاف عليها بحكم التقاليد خشية الإنحراف.. بل وربما يخشى عليها من عيون الناس ويراقب خطواتها الى حد الشك.. وهنا في الواقع يرقد ضعف الرجل العربي.. بفرض سلطانه التعسفي على المرأة العربية.. في الوقت الذي تُتّهم فيه المرأة العربية بعدم النضوج والتمتع بالشخصية والفكر مثل المرأة الغربية.. فكيف يتوقع المرء ان يجد إذن علاقة نقية صادقة بين رجل عربي وإمرأة.. علاقة صداقة لا يشوبها الجنس ولا تنتهي بالجسد.. فإن طبيعة التقاليد تمنع إقامة مثل هذه العلاقة.
ولكن هذه العلاقة من الممكن إقامتها مع المرأة الغربية كالاسترالية.. فالخطأ كل الخطأ الظن ان المرأة الغربية تنجرف وراء رغباتها ونزواتها.. لأن الأصح انها تعرف متى تمارسها وماذا تريد منها وحدود علاقتها.. بل الحرية التي تتمتع بها المرأة الغربية تمنحها الصلاحية في الإختيار.. وخصوصاً إختيار الشريك أو الصديق.. ومن ثم توجد علاقات صداقة كثيرة بين الرجل والمرأة الغربية.. علاقة لا يشوبها الجنس وتتميز بالإخلاص والتفاني.
تجاربي مع صديقات استراليات تثبت صحة هذه القضية.. فمنذ سنوات طويلة كنت أمزج بين الصداقة الحقّة للمرأة وكونها أنثى.. إلا ان التجارب علمتني ان أرى الحدود الفاصلة.. مع انه يجب التسليم لأن الفصل صعب جداً في بعض الأحيان.
منذ سنوات طويلة أثناء عملي في إدارة مكتبات المحاكم المحلية كانت تتصل بي بحكم عملي إمرأة استرالية رائعة الصوت.. رشيقة الأسلوب.. هزني جمال صوتها منذ سمعته لأول وهلة.. وداعبت قلبي خفة روحها ودغدغ عقلي كلامها.. أصبحت مع الوقت مدمناً على سماع صوتها وحديثها على التليفون.. بل الحق انه حرك صوتها مشاعر الشباب.. ولم أستطع ان أفصح عن الخبايا.. وكنت أقول في نفسي وقتها: ما فائدة القول فإن الصمت يكون أحياناً أشد لذة وأكثر وقعاً من القول.
كنت أترك العنان لأذني للتمتع بهمسات صوتها الرنان.. يعزف موسيقى حارة هادئة.. كنت محتاراً هل هذا هو الحب؟ طبعاً لا.. لأن قلبي مرتبط بحب زوجتي ومفتاحه بيدها وحدها.. ما هو إذن؟ هل هو بداية إنزلاق الى نزوة على قارعة الطريق؟ لا لن يكون.. هل هو الراحة من هموم الدنيا على صوت إمرأة؟ ربما ولكنه كان إحساساً بشيء غريب لا يوصف إلا بأنه إلهام نحو المجهول.. لأنني أعرف نفسي انها تجهد دائماً في النزوع نحو الحكمة.. كيف هذا إذن؟
إستسلمت لدغدغة صوتها على الهاتف لمدة من الزمن وسعدت بكل لحظة فيها.. ولكن لم أفكر أبداً بلقائها لأتعرف على أي شكل خلقها الله.. ولم تطلب مني أبداً أي لقاء.. وكانت محاورتنا عبر التليفون عن العمل وأي كلام آخر.. حتى جاء اليوم الموعود.. قابلتني بحكم ضرورة العمل وقدمت نفسها لي.. ورأيت لأول مرة جمالها الفتّان الذي لم يسحرني مثل صوتها الرنان.. وتكلمنا كثيراً.. وكأن الشوق قد أجهدنا دون أن نسعى للقاء.. وذهبنا لتناول الغذاء.. وأرهفت أذني لسماع كلماتها.. فهي الآن بقربي بلحمها ودمها.. حدثتني عن قضايا مختلفة.. ورأيتها إنسانة ممتلئة بالثقافة والفكر.. مستقلة الشخصية وكل ما فيها يبرق بالأنوثة.. وأخبرتني بأنها متزوجة وحدثتها عن أحوالي.. وتكلمنا عن حياتنا الخاصة وكأنه قد عثر كل منا على الآخر.
أصبحنا نترقب بعضنا كل أسبوع في موعد الغذاء المرتقب.. وكأنه إحتفال برباط الصداقة الوليدة.. أستريح إليها وتستريح لي.. تفك قيودها النفسية الاجتماعية أمامي.. وألقي عليها بهموم الحياة.. فلا نتحفظ بالكلام والشكليات.. بل نطلق أنفسنا على سجيتها.. حتى أصبحنا أسرى هذه العادة.. تعمّق كل منا بالآخر.. وعمقت الصداقة جذورها في أنفسنا.. الصداقة الصادقة بمفهومها الإنساني بين رجل وإمرأة لا يدنسها الجنس.. مع ان كل واحد منا يسلم بأن الصداقة الحقّة النقية بين المرأة والرجل هي شائكة وصعبة في بعض الأحيان.
لقد مضى على صداقتي لهذه المرأة نحو عشرين عاماً.. وهي مثال المرأة المخلصة الصديقة لي وللعائلة.. وحافظ كل منا على صداقته ويعتز بها تجاه الآخر.
فالرأي عندي من خلال تجاربي انه من الممكن حدوث صداقة بين الرجل والمرأة الغربية بعيدة عن الغرائز الفانية.. ولكن يبدو ان هذا صعباً مع المرأة العربية بحكم المجتمع الذكوري الذي تقتضيه التقاليد المقيدة لحريتها.
جريدة التلغراف الاسترالية