- هدف المشروع ليس فقط الوصول للمريخ ولكن أن يكون رمزاً للأمل بالمنطقة عبر تمكين الشباب وبناء قدراتهم في المجالات العلمية والتقنية
- لأول مرة في تاريخ المهام الفضائية لاستكشاف الفضاء يتردد العد التنازلي باللغة العربية إيذاناً بإطلاق مسبار الأمل
- باقتراب المسبار من الكوكب الأحمر تبدأ أهم وأصعب مراحل مهمته التاريخية وأكثرها خطورة لدخول مدار الالتقاط حول المريخ
- التحدي الأصعب الذي يواجه المسبار في هذه المرحلة هو إبطاء سرعته بشكل ذاتي من 121 ألف إلى 18 ألف كلم في الساعة عبر محركات الدفع العكسي
مع اقتراب مسبار الأمل من الوصول إلى مدار المريخ، أوشك حلم نجاح أول مهمة فضائية تقودها دولة عربية لاستكشاف الكواكب أن يتحول إلى حقيقة وواقع ملموس، لتصبح الإمارات خامس دولة في العالم تحقق هذا الإنجاز التاريخي، ورغم تمكن المسبار من تخطي العديد من التحديات إلا أن المراحل القادمة من مهمته التاريخية تعد الأصعب والأكثر خطورة.
ورغم هذه المسيرة الحافلة التي مر بها مسبار الأمل طوال 7 سنوات متواصلة من تخطي الصعاب والتحديات وتحويل المستحيل إلى ممكن، إلا أن المسبار الذي يخترق الفضاء حالياً بسرعة تزيد على 121 ألف كيلومتر في الساعة على بعد أيام معدودة من الوصول إلى هدفه حول مدار الكوكب الأحمر، سيواجه التحدي الأصعب وهو عملية إبطاء سرعته بشكل ذاتي ومن دون تدخل بشري مباشر إلى 18 ألف كيلومتر في الساعة، تمهيداً لدخوله إلى مدار الالتقاط حول المريخ، قبل انتقاله لاحقاً -في حال نجاح هذه العملية- إلى المدار العلمي ومن ثم بدء مهمته العلمية في جمع البيانات والمعلومات التي لم يتوصل إليها الإنسان من قبل حول الكوكب الأحمر الأكثر شبهاً بكوكب الأرض في المجموعة الشمسية.
وتستمر مهمة المسبار طوال سنة مريخية كاملة تبلغ بحسابات الأرض 687 يوماً، يجمع فيها أكثر من 1000 غيغابيت من البيانات التي سيتم مشاركتها مجاناً مع المجتمع العلمي والمهتمين بالفضاء من الجامعات ومراكز الأبحاث حول العالم.
الفكرة تصبح خطة استراتيجية
ومنذ ولادة “مسبار الأمل” كمجرد فكرة في الخلوة الوزارية قبل 7 سنوات، تبنتها على الفور القيادة الرشيدة للدولة برؤيتها الاستشرافية الثاقبة، إذ وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” بدراسة الفكرة، وتحولت إلى خطة استراتيجية تم فيها التخطيط للمشروع من كافة جوانبه لتصميم وتصنيع المسبار وإطلاقه بحيث يتزامن وصوله إلى الكوكب الأحمر مع اليوبيل الذهبي لدولة الإمارات.
وقد استلهمت القيادة الرشيدة للدولة في توجهها لاستكشاف المريخ، حلم الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” عندما قال: «إن رحلات الفضاء يفخر بها كل إنسان على وجه الأرض، لأنها تجسد الإيمان بالله وقدرته، ونحن نشعر كوننا عرباً بأن لنا دوراً عظيماً في هذا المشروع وفي هذه الأبحاث، وفخورون بالتقدم الهائل في علوم الفضاء، بفضل القواعد التي أرساها العلماء العرب منذ مئات السنين، ونأمل أن يعم السلام ويدرك البشر الأخطار، التي تهددهم بسبب التأخر»، إذ أبدى الوالد المؤسس اهتماماً كبيراً بعلوم الفضاء وشغفاً بالتعرف على جديدها وإنجازاتها وتطبيقاتها، وتجسد ذلك في لقائه مطلع سبعينيات القرن الماضي مع مسؤولي رحلة أبولو التاريخية التي قامت بها وكالة «ناسا» الأمريكية لاستكشاف القمر.
تحويل الحلم إلى واقع ملموس
وفور تلقي مركز محمد بن راشد التكليف ببدء تنفيذ المشروع، انطلقت رحلة تحويل الحلم والفكرة إلى واقع ملموس، وتشكلت فرق العمل من كوادر وطنية شابة من أبناء وبنات الوطن الذين واصلوا الليل بالنهار لإنجاز هذه المهمة الوطنية التاريخية خلال المدة الزمنية التي حددتها القيادة الرشيدة وهي 6 سنوات، حتى يتزامن وصول المسبار مع احتفالات الدولة بيومها الوطني الخمسين، في حين أن المهام الفضائية المثيلة يستغرق تنفيذها ما بين 10 إلى 12 عاماً، وكان هذا تحدياً كبيراً لفريق العمل حولوه بفضل الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة إلى حافز إضافي يدفعهم لبذل المزيد من الجهد.
ومنذ اليوم الأول للمشروع كان توجيه القيادة واضحاً، وهو أن يتم تطوير المسبار وعدم شرائه جاهزاً، وكان هذا تحدياً جديداً، تحول إلى فرص لبناء قدرات الكوادر الوطنية العاملة في المشروع عبر برنامج يدمج بين الخبرة المكتسبة من قبل مهندسين عملوا منذ عام 2006 في تطوير أقمار اصطناعية وبين نقل معرفة وخبرة إلى الباحثين والمهندسين الإماراتيين، بالتعاون مع شركاء معرفة دوليين، فكان النهج في تطوير المسبار هو البناء على ما انتهى إليه الغير، بدلاً من أن نبدأ من الصفر، وهذا ما مكن الفريق بصياغة أهداف علمية تعتبر فريدة من نوعها ستزود العلماء حول العالم بمعلومات لم يسبق التقاطها عن الكوكب.
اللحظة الحاسمة
ثم جاءت اللحظة الحاسمة التي ظل فريق العمل يترقبها بفارغ الصبر طوال 6 سنوات من العمل الدؤوب، وهي لحظة الإطلاق التي تحدد لها الساعة الأولى من صباح يوم 15 يوليو 2020 بتوقيت الإمارات، ولكن مسلسل التحديات الصعبة عاد ليطل برأسه من جديد، إذ تبين أن الظروف الجوية غير الملائمة لإطلاق الصاروخ الذي سيحمل المسبار، ليقوم فريق العمل بإعادة جدولة موعد الإطلاق ضمن “نافذة الإطلاق” الممتدة من 15 يوليو وحتى 3 أغسطس، علماً بأن عدم نجاح الفريق في إنجاز عملية الإطلاق خلال هذه الفترة كان يعني تأجيل المهمة بأكملها لمدة عامين. وبعد دراسات دقيقة لتنبؤات الأحوال الجوية بالتعاون مع الجانب الياباني قرر الفريق إطلاق مسبار الأمل يوم العشرين من يوليو عند الساعة 01:58 صباح بتوقيت الإمارات.
ولأول مرة في تاريخ المهام الفضائية لاستكشاف الفضاء يتردد العد التنازلي باللغة العربية، إيذاناً بإطلاق مسبار الأمل، وسط متابعة مئات الملايين من الدولة والمنطقة والعالم، وحبس الجميع أنفاسهم انتظاراً للحظات الحاسمة التي سيصعد خلالها الصاروخ مخترقاً الغلاف الجوي للأرض بسرعة 34 ألف كيلومتر في الساعة حاملاً مع مسبار الأمل، وما هي إلا دقائق حتى تأكد نجاح عملية الإطلاق، ثم انفصال المسبار عن صاروخ الإطلاق بنجاح، ولاحقاً استلام أول إشارة من المسبار في رحلته الممتدة 7 أشهر يقطع خلالها 493 مليون كيلومتر، كما تلقى المسبار أول أمر من محطة التحكم الأرضية بالخوانيج في دبي بفتح الألواح الشمسية وتشغيل أنظمة الملاحة الفضائية وإطلاق أنظمة الدفع العكسي ، ليشكل ذلك فعلياً بداية رحلة المسبار الفضائية إلى الكوكب الأحمر، ترجمةً لحلم زايد، وإيذاناً بدخول دولة الإمارات التاريخ بإنجاز فضائي غير مسبوق على مستوى الوطن العربي، وليكون “مسبار الأمل” أول مهمة فضائية لاستكشاف الكواكب تقودها دولة عربية.
تحديات تخطاها فريق المشروع
ولم تتوقف التحديات عند هذا الحد بعد الإطلاق الناجح لمسبار الأمل، ولكن ظهرت تحديات من نوع آخر أكثر صعوبة وخطورة كطبيعة المهام الفضائية الاستكشافية المحفوفة دائماً بالمخاطر، حيث تمر رحلة المسبار إلى الكوكب الأحمر بست مراحل، هي بالإضافة إلى مرحلة الإطلاق: مرحلة العمليات المبكرة، والملاحة في الفضاء، والدخول إلى مدار المريخ، والانتقال إلى المرحلة العلمية، والمرحلة العلمية، ولكل من هذه المراحل طبيعتها الخاصة وتحدياتها النوعية التي تتطلب التعامل معها بكل دقة وكفاءة من جانب فريق العمل.
ففي المرحلة الأولى من عملية الإطلاق، انطلق الصاروخ متسارعاً بعيداً عن الأرض، وتم خلال هذه المرحلة استخدام محركات الصاروخ التي تعمل بالوقود الصلب، وبمجرد اختراق الصاروخ للغلاف الجوي تم التخلص من الغطاء العلوي للصاروخ والذي كان يحمي “مسبار الأمل” أثناء اختراق الصاروخ للغلاف الجوي للأرض. وفي المرحلة الثانية من عملية الإطلاق تم التخلص من محركات المرحلة الأولى، ووضع المسبار في مدار الأرض، لتعمل بعد ذلك محركات المرحلة الثانية على وضع المسبار في مساره نحو الكوكب الأحمر من خلال عملية محاذاة دقيقة مع المريخ، وكانت سرعة المسبار في هذه المرحلة 11 كيلومتر في الثانية الواحدة، أي 39600 كيلومتر في الساعة. ثم انتقل مسبار الأمل إلى المرحلة الثانية من رحلته التاريخية، والمعروفة بمرحلة العمليات المبكرة، وفيها بدأت سلسلة من الأوامر المعدة مسبقاً بتشغيل مسبار الأمل، تشمل هذه العمليات تنشيط الكمبيوتر المركزي، وتشغيل نظام التحكم الحراري لمنع تجمد الوقود، وفتح الألواح الشمسية واستخدام المستشعرات المخصصة لتحديد موقع الشمس، لتبدأ بعدها مناورة تعديل موضع المسبار وتوجيه الألواح نحو الشمس، من أجل بدء عملية شحن البطاريات الموجودة على متن المسبار، وفور انتهاء العمليات السابقة بدأ “مسبار الأمل” في إرسال سلسلة من البيانات هي أول إشارة تصل إلى كوكب الأرض، وهذه الإشارة تم التقاطها من ِقبل شبكة مراقبة الفضاء العميق وبالأخص المحطة التي تقع في العاصمة الإسبانية مدريد.
تشغيل الأجهزة العلمية بالفضاء
وخلال هذه المرحلة أيضاً قام فريق العمل بتشغيل الأجهزة العلمية لأول مرة في الفضاء وفحصها وضبطها، وذلك عبر توجيهها نحو النجوم للتأكد من سلامة زوايا المحاذاة الخاصة بها، والتأكد من أنها جاهزة للعمل بمجرد وصولها إلى المريخ. ومع نهاية هذه المرحلة اقترب “مسبار الأمل” من المريخ لتبدأ أهم مراحل مهمته التاريخية لاستكشاف الكوكب الأحمر وأكثرها خطورة، وهي مرحلة الدخول إلى مدار المريخ.
أرقام من رحلة المسبار:
- 6 سنوات استغرقها تصميم وبناء وتجهيز مسبار الأمل مقابل 12 سنة لمهام فضائية مثيلة
- 83 ساعة براً وجواً وبحراً استغرقتها رحلة نقل المسبار من دبي لمحطة الإطلاق
- 121 ألف كلم في الساعة سرعة المسبار حالياً سيقوم بإنقاصها ذاتياً إلى 18 ألفا عند الدخول لمدار المريخ
- 687 يوماً سيقضيها المسبار في مهمته حول المريخ
- 1000 غيغابيت من البيانات العلمية غير المسبوقة سيجمعها المسبار
- 493 مليون كيلومتر يقطعها المسبار وصولاً للكوكب الأحمر