زيد شحاثة
قد يستسهل البعض توقع الأحداث القادمة بناْ على معطيات وتحليلات شخصية, ويفعل أخرون ذلك ولكن بشكل جزافي أقرب منه للتنجيم, فأن حصل ما توقعوه كان نصرا لهم وإن لم يحصل تنكروا لما قالوه, لكن هناك قلة ممن هم يستشرفون الآتي ويقرؤون ما هو مقبل وكأنهم يرونه رأي العين..
كثيرا ما كانت المرجعية الدينية ومنذ العام 2003 تحاول النأي بنفسها عن الدخول في تفاصيل العملية السياسية, وتكتفي بتقديم النصح في الأمور العامة والخطوط العريضة, وتضع خارطة طريق بالعموم لا بالدقائق الصغيرة.. لكنها كانت تتخذ مواقف قوية ومتشددة عندما كان يلوح في الأفق خطر وجودي يهدد الدين والأمة والوطن.
رغم أن العراق يشهد سنويا وخصوصا في فصل الصيف تصاعدا للإحتجاجات, لكن ما حصل في تشرين من العام 2019 كان مختلفا نوعا وكما عن باقي السنوات, لتغير العوامل المؤثرة بالحدث.. فتظاهرات السنوات السابقة كانت محدودة المطالب وهي شعبية في معظم عواملها المؤثرة, مع تداخل حزبي سياسي بجزء منها.. لكن ما حصل في الأخيرة كان ظهور تأثير للعامل الدولي فيها وسعة الإنتشار الجغرافي رغم أنه إنحصر في “المناطق الشيعية في الوسط والجنوب” والمشاركة وطول المدة, والإنقسام المجتمعي الحاد الذي أظهرته حولها..
وجود العامل الإقليمي والدولي ليس حجة على بطلان أحقية الإحتجاجات, لكنه عامل مؤثر في مسارها وكيفية تطور الأمور.. ووجود تداخلات حزبية وسياسية داخل ساحات الإحتجاج ومحاولة ركوب موجتها, وجعلها مكانا لتصفية الحسابات أوضح من أن يحتاج لإثبات, لكنه أيضا لا يعني عدم وجود مشكلة كبرى وحقيقة وتحتاج لحلول, لأن الشعب قد وصل لمرحلة اليأس, وهي من أخطر المراحل..
يرى كثيرون أن الهدف من التدخل الخارجي في التظاهرات, هو للدفع بإتجاه تصادم شيعي- شيعي, أو هو لإختلاق معركة بين قوى الحشد من جهة, والشارع من جهة أخرى.. وهذا أيضا توصيف غير دقيق, فالحشد قواه منضبطة جدا ولا تواجد له في المدن التي تشهد الإحتجاجات إلا بشكل رمزي, إلا لبعض الفصائل التي توصف بانها ” فصائل مقاومة” وهي المقصودة ربما بهذا التصادم..
وأما عن المحتجين والقوى في الشارع, فقد ثبت خلال الفترة الماضية ومنذ بدأ الإحتجاجات, عدم وجود قوة يمكن أن ينطبق عليها الوصف “بأنها يمكن أن تدخل مواجهة مسلحة” وكل الأحداث التي جرت وكان فيها عنف أو إعتداء على مقر أو دائرة رسمية, كانت من “جهات معروفة” للقوات الأمنية وتملك التسليح والتدريب التمويل, ولديها خطط معدة مسبقا لإستغلال الجماهير وتهييجها عاطفيا ومن ثم الدخول من خلالها وتنفيذ أهدافهم..
هل نحن مقبلون على صدام بين تلك “الجهات” والفصائل المذكورة سابقا؟! وإن حصلت المواجهة فهل ستنحصر بين تلك الجهات أم ستمتد وتتسع؟ وهل ستكون القوى الأمنية الرسمية ” وبضمنها الحشد الشعبي” قادرة على السيطرة على هذه المواجهة إن وقعت؟ وماهي نتائج مثل هذا الصدام إن حصل على مستقبل العراق ككل, والشيعة كأكثرية إجتماعية وأغلبية سياسية؟!
التصريحات والغريدات المنشورة لبعض الشخصيات المشبوهة والمعروفة للقوات الأمنية, والتي يبدوا أن لها دورا ما في بعض الساحات, تحاول الدفع بإتجاه حمل السلاح من قبل المتظاهرين وتحرضهم على العنف, ورغم أنها لم تلاقي قبولا كبيرا, لكن هذا لن يمنعها هي وجهات وعصابات منظمة ومدربة ومهيئة لمثل هذا اليوم, أن تقوم بإفتعال المواجهات مع القوات الأمنية أو الفصائل المسلحة, وتشعل شرارة لا يمكن لأحد إطفائها..
القوى السياسية الشيعة من جهة أخرى لازالت في معظمها وبأغلب نخبها وقياداتها لا تفكر أبعد من أنفها, ومشغولة وكل ماكنتها الإعلامية وجيشوها الإلكترونية مشغولة بتسقيط بعضها, أو مهاجمة الحكومة التي هي شكلتها.. وهي لا ترى الخطر القادم فالصدام إن حصل لن يبقي ولن يذر, وستكون هي الخاسر الأول..
إن لم يجري ساسة الشيعة وقادتهم مراجعة حقيقية وعميقة, لكل سياساتهم ومواقفهم وأدائهم السابق ولو داخليا, وتعدل أحزابهم وتياراتهم وتقوم منهجها وأدائها, وتدفع بوجوه جديد لم تكن جزأ من الفشل والخراب والفساد الذي ساد المرحلة السابقة للتصدي.. فالنتائج خطيرة.
يرى محللون أن المواجهة قادمة لا محالة.. لان هناك من يريد حصولها من قوى محلية وإقليمية ودولية, يساند ذلك غباء سياسي وسوء تصرف وقلة حكمة وعدم قدرة على إستشراف القادم, وهذه المواجهة إن حصلت فستكون عواقبها وخيمة على العراق كله وعلى الشيعة خصوصا, وقد شبع العراقيين وخصوصا “أولاد الخايبة” من المعارك وقدموا ما فيه الكفاية من الدماء..
رغم أن عام 2003 كان مفصليا ومرحلة تحول كبرى, لكن ما حصل في تشرين 2019 كان نقطة تحول أخرى لا تقل أهمية.. وما كان من أليات وأعراف وأوضاع سياسية وإجتماعية, وطرق لتقاسم السلطة وإدارة الدولة وتحاصصهما لم يعد صالحا ويجب أن يأتونا بشيء جديد, وإلا كان البديل هو الفوضى الكبيرة التي لا يمكن لأحد أن يتوقع نتائجها, أو ينجوا منها .