بقلم هاني الترك
منذ عدة سنوات كانت تتصل بي بحكم طبيعة عملي امرأة استرالية عذبة الصوت وخفيفة الظل.. تكرّر حديثنا على التلفون مرات كثيرة.. واصبحت متعوداً على سماع صوتها ولم افكر في لقائها.. وهي لم تتطلب مني ابداً اي لقاء.
وفي يوم تقابلنا بحكم العمل قدمت لها نفسي وذهبنا لتناول الغداء .. تكلمنا كثيراً عن قضايا مختلفة.. رأيتها انسانة ممتلئة ثقافة وفكراً ومستقلة الشخصية ناضجة.
اصبحنا نترقب لقاءنا كل مدة في موعد الغداء المنتظر .. وكأنه بمثابة احتفال برباط الصداقة الذي يربطنا.. رغم انها متزوجة.
اصبحت ارتاح لها وترتاح لي.. تفك قيودها النفسية والاجتماعية امامي والقي عليها بهموم الحياة.. فلا نتحفظ بالكلام والشكليات.. بل نطلق انفسنا على سجيتها..
تعمقت الصداقة بيننا.. الصداقة بمفهومها الانساني بين رجل وامرأة التي لا يتخللها الجنس.. هذا رغم اننا نسلّم ان الصداقة الحقّة النقية بين المرأة والرجل هي مسألة شائكة وصعبة في بعض الاحيان.. كلٌ منّا يحافظ على صداقته ويعتز بها نحو الآخر ونحو عائلته.
فالخطأ كل الخطأ الظن بأنه اذا عقدت المرأة الاسترالية صداقة مع الرجل فإنها تنجرف وراء رغباتها ونزواتها.. ولكن الأصح ان هذه المرأة تعرف كيف تمارس حريتها المسؤولة.. وماذا تريد من علاقتها .. وما هي حدودها .
فالحرية التي تتمتع بها المرأة الاسترالية تمنحها الصلاحية باختيار الصديق .. لذا توجد علاقات صداقة كثيرة بين المرأة والرجل في المجتمع الاسترالي تثبت صحة هذه المقولة.
كنت في الماضي ايام الشباب امزج بين الصداقة الحقّة مع المرأة بكونها انثى.. الا ان التجارب مع الزميلات والصديقات الاستراليات علمتني رؤية الحدود الفاصلة التي تفصل بين الجنسين .. مع انه يجب التسليم بأن الفصل صعب في بعض الاحيان.
والسؤال هنا هل من الممكن إقامة صداقة نقية صادقة بين الرجل والمرأة في المجتمع العربي مثلما يمكن حدوث ذلك في المجتمع الاسترالي؟ الاجابة عندي : في الأغلب لا.. لأن تقاليدنا العربية تقف بمثابة الحاجز لاقامة مثل هذه العلاقة.. واللوم في رأيي يعود على الرجل العربي الذي ينظر الى المرأة على انها هدف جنسي لاشباع اللذة المشتعلة. مع ان في عقل المرأة جمالاً وعاطفة ورقة أعمق تأثيراً واكثر وقعاً من مجرّد العلاقة الجسدية البحثة. فلا يدرك الرجل العربي – عموماً – انه حتى الجنس عند المرأة هو جزء من تكوينها وتركيبها النفسي العقلي والعاطفي، بحيث ان العملية الجنسية ليست هي بضع دقائق يعربد فيها الحيوان الجنسي في داخل الرجل فحسب.. لا .. ان العلاقة الصحيحة هي ابعد من ذلك بكثير، فهي اللقاء العقلي والتفاهم الفعلي الذي يستغرق وقتاً طويلاً لتنضج العلاقة وتتحقق ذاتية الطرفين فيها.
فاذا اختارت امرأة عربية، وحيدة كانت ام متزوجة، صديقاً لتمارس حقها في الصداقة الحقيقية، تنظر العيون اليها على انها هدف جنسي سهل للافتراس. فان الرجل العربي يعيّن نفسه حارساً وصياً على المرأة سواء كانت زوجته او اخته، يخاف عليها خشية الانحراف ويراقب خطواتها الى حد الشك بحكم التقليد. وهنا في الواقع يكمن ضعف الرجل العربي بفرض سلطانه التعسفي على المرأة في الوقت الذي تُتهم فيه المرأة العربية بعدم النضوج وعدم التمتع بالشخصية المستقلة مثل المرأة الاسترالية.
كما ان هناك سبباً هاماً لهذا الواقع وهو ان المرأة العربية تحصر اهتماماتها – عموماً – في النشاطات العملية في المنزل وتترك مجال القضايا العامة المجردة للرجل. لذلك على المرأة العربية ان تنزع حريتها بالعقل والعلم، لأن المرأة المتعلمة المثقفة تستطيع ان تبني مركزاً محترماً في المجتمع يؤدي الى استقلالها الاقتصادي، الذي هو حجر الاساس نحو تحررها الشخصي والاجتماعي.
لذا نجد ان المرأة العربية، وخصوصاً المتزوجة، لا تتمتع بكامل حريتها لتسلك بثقة وأمان ولا يمكنها ان تعقد صداقة بالمفهوم الانساني مع رجل في علاقة لا يدنسها الجسد، علاقة يرتفع فيها كل منهما الى المستوى الروحي العقلي بلا مصلحة ذاتية ولا منفعة.
ان حرية الاختلاط بين الرجل والمرأة في عاداتنا هي مقيدة للسلوك، وعلى سبيل المثال غالباً نرى في حفلاتنا يرقص الرجل ويتحدث مع زوجته، ونادراً ما نراه يرقص مع امرأة اخرى غير زوجته. بل والأدهي من ذلك نرى في اللقاءات الاجتماعية عادة ان الرجل يجتمع مع الرجل وتجالس المرأة المرأة، اي ان التغيير مفقود في العلاقات الاجتماعية بين الجنسين مع ان التجديد هو ضروري لدوام العلاقات المثيرة بين الزوجين. والاجابة على السؤال من خلال تجربتي الذاتية:
انه يمكن اقامة صداقة نقيّة صادقة بين الرجل والمرأة في الجالية العربية مثلما هو الواقع في المجتمع الاسترالي.. بشرط ان يعرف الرجل العربي كيفية احترام الصداقة البريئة مع المرأة العربية.
وانا نفسي لي ثلاث صديقات متزوجات مثقفات في الجالية العربية تربطني معهن صداقة قوية.. نروي من خلالها شبقنا الثقافي والاجتماعي والادبي بطريقة ما.. وطبقاً لثقافة وطبيعة عمل لكل واحدة منهن وعملي .. في علاقة احترام وتقدير متبادل بعيداً عن الغرائز الفانية.. هكذا علمني المجتمع الاسترالي الذي امضيت فيه معظم سنوات عمري.
واود هنا التركيز على صديقة منهن بالذات لأنها مسلمة الديانة وانا مسيحي.. فهي امرأة متدينة محافظة .. رغم انها فاتنة الجمال.. لها حضور ثقافي فعّال وخفيف الظل.. وكأنها وردة الفايسبوك.. لها فيه شعبية واسعة.. تنشر الثقافة العربية الاصيلة والتراث الاسلامي.. يحبها الجميع ويقدّرونها وتمنحهم من بستان محبتها باقات متدفقة من الحب الأخوي الدافئ.. والعطف الانساني الرقيق.. تكتب مرفوعة الرأس مليئة بالكبرياء.. متألقة في الفكر الخصيب سابقة عصرها متحديّة التقاليد البالية التي تحرّم اقامة صداقة نقية بين رجل ومرأة.. فهي تثبت للرجل العربي بل وتعلمه ان المرأة العربية هي شجرة فكر وثقافة وعلم.. وليس مجرّد قصيدة حب وغزل..
هكذا تعلمنا سوياً من الصفات الإيجابية من المجتمع الاسترالي المتحضّر.. الذي يمنح المرأة الحرية والاستقلالية .. وتنعم فيه بعض النساء بالحرية المسؤولة بإقامة علاقة صداقة نقية مع الرجل.